عرض مشاركة واحدة
عمدة مراكش
مزعوط ذهبي
المشاركات: 1,302
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الدولة: السعودية
عمدة مراكش غير متواجد حالياً  
قديم 2010-07-28, 10:46 AM
 
مدينة فاس العريقة

مدينة فاس

--------------------------------------------------------------------------------

تعتبر مدينة فاس من أهم المدن التاريخية العريقة و أول عاصمة سياسية للمملكة المغربية أسسها
المولى ادريس الأزهر سنة 172 هـ. ظلت منذ تأسيسها ، منبرا للعلم والابتكار و الابداع في الميادين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و العلمية، فكانت نموذجا للمدينة العربية الاسلامية، تضم في أحضانها ما يناهز 700 مسجدا و حوالي 403 من القصور و الدور الأثرية الجميلة

و قد تعاقبت على حكمها و اعمارها دول متعددة حكمت المغرب منذ الأدارسة الى العلويين الذين اتخذوها عاصمة سياسية و علمية ووسعوا معمارها و نهجوا سياسة انقاد مآثرها و صيانة مبانيها التاريخية العريقة

و قد صنفت مدينة فاس كثراث انساني عالمي منذ سنة 1981 حيث أصبحت مقصدا و فضاء لعقد عدد من التظاهرات الدولية و الوطنية في هذا المجال، و ندكر منها المؤتمر الدولي لمدن الثراث العالمي سنة 1993، و المؤتمر العربي للمدن التاريخية العربية الاسلامية

نبذة تاريخية
يعود تاريخ مدينة فاس إلى القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي، عندما قام إدريس بن عبد الله مؤسس دولة الأدارسة عام 172هـ / 789 م ببناء مدينة على الضفة اليمنى لنهر فاس لتكون بدلا للعاصمة القديمة ولتلي أيضا تلك العاصمة القديمة التي كانت قد ازدحمت بالسكان. ثم وفد إليها عشرات العائلات العربية من القرويين ليقيموا أول الأحياء وعرف بعدوة القرويين. كما وفد إليها الأندلسيون الذين أرغموا على الهجرة من الأندلس ليكونوا عدوة الأندلسيين. وكان هناك حي خاص لليهود وهو حي الملاح ، وقد كان اختيار المكان موفقا فهو مكان فسيح تحيط به الأشجار والحشائش. ولكن إدريس الأول توفي قبل تطويرها، وبعد ذلك بعشرين سنة أسس ابنه إدريس الثاني المدينة الثانية على الضفة اليسرى من النهر. وقد ظلت المدينة هكذا إلى أن دخلها المرابطون فأمر يوسف بن تاشفين بتوحيد المدينتين وجعلهما مدينة واحدة فصارت القاعدة الحربية الرئيسية في شمال المغرب.

ومدينة فاس كانت أحد ركائز الصراع بين الأمويين في الأندلس والفاطميين في إفريقيا، وظلت المدينة تحت سيطرة الأمويين في الأندلس لمدة تزيد على الثلاثين عاما، وتمتعت المدينة خلال تلك المدة بالازدهار. وعندما غابت شمس الخلافة الأموية بقرطبة وقعت مدينة فاس تحت سيطرة أمراء زناته الذين كانوا على خلاف مستمر فيما بينهم. وظلت هكذا إلى قدوم المرابطين، ومن بعدهم الموحدين، وكذلك بنو مرين الذين اتخذوها مركزا لهم بدلا من مراكش ، و أنشئوا مدينة ملكية وإدارية جديدة عرفت بالمدينة البيضاء. وأصبحت فاس مرة أخرى مركزا حضاريا حيث تميزت بالازدهار السياسي والاقتصادي والفكري بين سائر بلاد المغرب.

المعالم الحضارية
ظلت فاس القديمة مركز للنشاط الاقتصادي بخلاف فاس الجديدة التي ظلت مركزا للحكم. ولموقع فاس ميزة ذات أهمية خاصة في المغرب وهي غزارة مياهها حيث تمتص الطبقات الكلسية في الأطلس المتوسط المياه لتكون منطقة من المياه الجوفية تتفجر منها في سهل يسمى سهل سايس ينابيع كثيرة تتجمع وتتحد لتغذي نهر فاس أو على الأصح أنهار فاس يضاف إلى ذلك الينابيع التي تتفجر من العدوات الشديدة الانحدار التي حفرها نهر فاس مسيلا له. وتمتد بمدينة فاس قنوات المياه مثل الشرايين لتصل إلى كل مسجد ومدرسة وبيت، ويتفجر فيها عيون نهر سبو وروافده. وهو ما يجعل المدينة ذات موقع إستراتيجي إذ تستطيع المدينة أن تصمد أمام أي حصار

وتقع مدينة فاس في واد خصيب وكأنها واسطة العقد بين التلال المحيطة بها من كل الجهات. ويوجد قرب المدينة الغابات التي تتوفر فيها أشجار البلوط والأرز والتي يستخرج منها أخشاب عالية الجودة، وتحيط بها أراض كثيرة صالحة لكافة أنواع الزراعة حيث تنمو الحبوب والكروم والزيتون وأنواع عديدة من أشجار الفاكهة. ولكثرة بساتين البرتقال والتين والرمان والزيتون بصورة خاصة تبدو المدينة زمردية اللون محاطة بعقود من الحدائق والبساتين وبجبال خضراء داكنة متوجة بشجر الأرز والصبير وزهر عود السند. ومن الارتفاعات العالية يبدو اللون الأخضر هو الغالب على كل الألوان بينما تتخلله نقاط بيضاء ما هي إلا الخراف والماعز والأبقار التي تنتشر في المراعي .
الأسوار: يوجد بفاس معالم آثرية تدل على حضارتها عبر العصور الإسلامية، ومن أهم ما بقي من هذه الآثار السور وبواباته الثمانية بأقواسها الرائعة والنقوش والتخريم البارز فوقها والتي ترجع إلى عهد المرينين. وقد تجدد بعضها في العصور التالية ولكنها ظلت محتفظة بطابعها.


وفي داخل الأسوار تميزت المدينة بوجود عشرة آلاف بناية أصلية، وسبعين كيلو متر من القنوات المتدفقة من مياه الوادي والعيون، وبها أربعة آلاف نافورة وسقاية. وتميزت المدينة بقصورها التي شيدها المرينيون على التلال ا لتي تطل على فاس من جهة الشمال، وكذلك المنازل القديمة المكونة من طابقين حولها أفنية ضيقة لكنها تكسى بحشوات من الفسيفساء الخزفية، والأبواب المزخرفة بزخارف جصية محفورة، ويحاط بعض المنازل بالحدائق والبساتين. البيمارستانات: تعددت بفاس المستشفيات وكثرت ، وكان الغرباء يسكنون فيها ثلاثة أيام، ويوجد عدد كبير من المستشفيات في خارج أبواب المدينة إلا أنها تقل جمالا عن تلك التي كانت بداخلها. وكانت هذه المستشفيات غنية جدا إلا أنه في أيام حرب سعيد عندما كان السلطان في أشد الحاجة إلى المال أشاروا عليه ببيع إيراداتها وأملاكها، وبقيت المستشفيات فقيرة محرومة تقريبا من وسائل العمل. وكان بالقرب من سوق العطارين وسوق الحناء مكان يقيم به المرضى بأمراض عقلية ، وكان بناؤه قديما يرجع تأسيسه إلى عهد سلاطين بني مرين ، حيث بنى أبو يعقوب يوسف بن يعقوب هذا المارستان لما تولى الملك سنة 685هـ / 1286 م، وعهد إدارته إلى أشهر الأطباء وخصص له الأوقاف الكثيرة من العقار للصرف عليه، ولما عظم أمر المارستان واتسعت أعماله أدخل عليه السلطان أبو عنان زيادات عظيمة. وفي سنة 900هـ / 1495 م لما أقام أهل الأندلس من المسلمين في فاس تولى رئاسة هذا البيمارستان طبيب من بني الأحمر يسمى فرج الخزرجي ولذلك سمي بيمارستان فرج، فأصلح فيه وجعل الموسيقيين يعزفون أمام المرضى.


المساجد: انتشرت بفاس العديد من المساجد إلا أن أشهرها على الإطلاق هو جامع القرويين الذي أسس في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي حيث كانت مساحته صغيرة ثم هدم وقام بتشيده علي بن يوسف المرابطي وزاد في مساحته زيادة كبيرة، وقام بزخرفته صناع أندلسيون، وقد بنى مئذنته الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر على نفقته الخاصة. وما زال مسجد القرويين يحتفظ بمنبره المصنوع من الخشب المحفور والمطعم. ويعد هذا المنبر ثاني المنابر المغربية، وقد زود هذا المسجد بثريا فخمة وحجرة للوضوء. أما صحن جامعة القرويين فمتحف فني خالد بهندسته المعمارية العربية المحضة وفنون النحت والتصوير على الخشب والفسيفساء والنقش المعدني البارز بأروع الصور والأشكال وصناعة الخزف في فاس نوعا ما صناعة الفخار كالجرار والأباريق والمزهريات وصناعة الخزف كالصحون والأطباق. ومن أجمل الآثار الباقية جامع الأندلسيين وهو من التحف الخالدة حيث تميز بسقف المصلى ، وهو أثر فني خالد بجمال نقوشه وفسيفساء نوافذه الزجاجية التي تجتمع في رسومها ألوان شتى تأسر العيون كما تميز بالنجفة النحاسية المدلاة من السقف وجمال تخريمها الذي لا يمكن تقليده في هذا العصر لأنه يحتاج إلى زمن طويل. وقد أعيد بناؤه في عهد محمد الناصر وشيده تشيدا عظيما.

كما يوجد أيضا العديد من المساجد مثل مسجد الحمراء، ومسجد الرصيف وغيرها من المساجد المنتشرة في أنحاء المدينة. وجميعها لا تقل روعة معمارها عن مسجد الأندلسيين

المكانة العلمية
يوجد في مدينة فاس واحد من أعرق وأقدم المؤسسات العلمية وهو جامع القرويين الذي أسسته السيدة فاطمة بنت محمد الفهري عام 245هـ / 859 م بعد تأسيس المدينة بمدة (51) عاما. وقد بقي الجامع والجامعة العلمية الملحقة به مركزا للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة. وبعد أن وسعه أبو يوسف يعقوب المريني صار الجامع يستوعب (22) ألف مصل. كما صار يدخل إليه من (17) بابا منها بابان لدخول النساء، وكان هذا الجامع الفريد في بنائه وهندسته يضاء في عصوره الأولى بـ (509) مصباح قائم فوق قواعد قد يزيد وزنها على (700) كيلو جراما. وتعتبر جامعة القرويين في العصر الحديث أقدم جامعة ثقافية في العالم حيث تخرج فيها معظم علماء الغرب وفيها تعلم جربرت دي لوفرينه الثاني الذي أصبح فيما بعد سلفستر الثاني. وفيها تعلم (الصفر العربي) في علم الحساب وهو الذي نشر ذلك في أوروبا. كما درس له في جامع القرويين أيضا ابن الشيخ الفيلسوف الرئيس موسى بن ميمون اليهودي القرطبي الذي كان من أعظم الأطباء في عصره والذي غادر الأندلس إلى المشرق وعين طبيبا لصلاح الدين الأيوبي ثم عين مدرسا بالقاهرة .

وفضلا عن هذا الجامع فإن فاس كانت تضم (785) مسجدا جميعها أو معظمها كانت مدارس بالضبط كمساجد البصرة والكوفة تدرس فيها علوم الدين وعلوم اللغة والتاريخ وغير ذلك من العلوم ولعل من أكبر مدارس فاس مدرسة السلطان أبو عنان المريني التي أسسها عام 756هـ / 1355 م وكان قد ألحق بها مسجدا للصلاة يتحلى بمنارة "مئذنة" لا مثيل لها في الجمال والأناقة.

وتميزت فاس بمدارسها التي بنيت حول جامع القرويين وانتشرت في أنحاء المدينة خصوصا في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي على يد العديد من الأمراء، وقد زينت هذه المدارس بذوق فني رفيع ومتنوع وهي تشكل واحدة من أروع التشكيلات الزخرفية في مدينة فاس. ويأتي في مقدمة هذه المدارس مدرسة فاس، والمدرسة المصباحية التي أسسها أبو الحسن سنة 743هـ / 1343 م، والمدرسة التي أسسها أبو عنان وهي المدرسة الوحيدة المزودة بمنبر ومئذنة، وغيرها كثير من المدارس.

أما أقدم مدارس فاس فهي مدرسة الصفارين التي أمر ببنائها أبو يوسف المريني عام 678هـ / 1280 م وزودها بمكتبة ثرية وقد نقلت فيما بعد إلى جامعة مسجد القرويين. وتعتبر مدرسة العطارين أصغر مدرسة في زمانها ولكنها كانت من حيث الهندسة المعمارية من أجملها وأبهاها وكانت تقع عند طرف سوق العطارين ومؤسسها هو السلطان أبو سيد. وكانت هذه المدارس تدرس فيها العلوم الابتدائية بدءا من القرآن والكتابة والقراءة إلى مبادئ الحساب وغيرها ثم يلتحقون بعدها بالجامعة وكانت مدة الدراسة في جامعة القرويين تستغرق بين خمسة أعوام و15 عاما وكان الطلاب يختارون بمحض إرادتهم أساتذتتهم كل أستاذ حسب اختصاصه في مادة أو أكثر فيجلسون في حلق ات حول الأستاذ الذي كان يستند بظهره إلى سارية من سواري المسجد.

. وكان كل من السلطان أبي الحسن والسلطان أبي عنان يهتم بتثقيف الناشئة والأساتذة ويرعى شئون المسلمين رعاية بالغة وقد أعطيا كل اهتمامهما إلى تدريس القرآن الكريم والحديث وعلوم اللغة. ولقد اشتهر من فاس جماعة من أهل العلم ونسبوا إليها منهم أبو عمرو عمران بن موسى الفاسي فقيه أهل القيروان في وقته. وأبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الشهير بابن البناء وهو أشهر رياضي في عصره، وأبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ الشهير بابن باجة وكان ممن نبغوا في علوم كثيرة منها اللغة العربية والطب وكان قد هاجر من الأندلس وتوفي بفاس. ومن العلماء الذين أقاموا بفاس ودرسوا بجامعتها ابن خلدون المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع، ولسان الدين بن الخطيب، وابن عربي الحكيم وابن مرزوق.
رد مع اقتباس