عرض مشاركة واحدة
مخيطووو

المشاركات: 1,924
تاريخ التسجيل: Jan 2011
الدولة: في عين خلي
مخيطووو غير متواجد حالياً  
قديم 2011-10-17, 10:48 AM
 
حمد عبدالرحمن المغيولي ... !! رحمه الله

من أوراق شاعر
المغيولي الذي تشظى قلبه عشقاً يعطر القارئ بشذا الشعر




هو حمد بن عبدالرحمن المغيولي، ولد في عنيزة في العام 1353 وتوفي في تبوك في العام 1416هـ رحمه الله.

من روائعه:

تعزيت اهوم الصبر والصبر ماطيقه

عيوني من الفرقا شقاها يلاحقها

الا يعيوني من طوى الهم والضيقه

إلى أقبل سواد الليل هلت غوارقها

اهوجس ودمع العين جرح طواريقه

كما تجرح الوديان جانب مضايقها

أنا انتل قلبي وانصرم من معاليقه

جزع وانمزع والروح شبت حرايقها

الاياوجودي وجد من قل توفيقه

غدا له ذهيب جرته ما يعتقها

على جاهل كن الكواكب عشاريقه

تهاوى القمر والشمس من فوق عاتقها


هذا هو المغيولي، ولعل هذه القصيدة تكفيه لو لم يقل غيرها، (رأي شخصي)، المغيولي المليء بعنفوان الشعر، والمؤطر بكل تفاصيله الشجية الندية الفاخرة، يأتي مسرفاً طاغي الحضور، فتتعلق القلوب بسحر شدوه كالأحلام الجميلة التي يكون المرء في معايشتها، وكأنه بين النوم واليقظة، وللذين لا يستهويهم الشعر النبطي، أو العامي، أوالشعبي، (سموه ما شئتم) فالمغيولي يمكن له أن يتدخل ليعيد صياغة المفاهيم، ومعايير القبول والرفض، بل والذوق أيضاً، أما الباحثون عن أنموذج شاعر يمكن الاعتداد بما نثره فوق أوراق الزمن، ومسافات الكتابة ودروب الرحيل، أو حتى في أوردة البوح الصادق المعبر الجميل، أو لدى قلوب تئن تحت وطأة معترك سهر تتسرب لحظاته بين أصابع الليل الطويل، أولئك يمنحهم المغيولي عناوين أكثر بريقاً، وحضوراً لافتاً، كان يفعل ذلك بملحماته التي سطرها من قوة حضوره، وجمال أحاسيسه، وعذوبة كلماته، وتميزه بالقدرة على جعل النبض يركض كالخيول في حقول تتحلى ببيادر من ذهب، تزهو في أعماقها سنابل لا يمكن أن تغفو أبداً ! وبعنفوان حروف تتلألأ كالتيجان المرصعة بالجواهر الثمينة، ذات الطابع الأصيل! والأصيل جداً.

الاياعيني اللي ما تلد بكل الازوالي

... ولا تشبح وتفرح لين ترمق زول مضنونه

الا يا لوعتي يافجعتي يا كبر غربالي

... على غرو الى سلهم ذحاح الموت بعيونه

ذبحني بالهوى حبه وسم الجسم من حالي

... قضى لي لاجزاه الله وزاد الجاش بطعونه

الاياعاذلي لو قلت لي خلن على فالي

... أنا والنفس عند مخضب الكفين مرهونة

على ماراد يلعب بي وتل القلب ما اوالي

... كما تل الرشا طفقٍ على المسنا يحدونه

انا بالشمس وانته يا وليف الروح بظلالي

... خطا ما خفت من سبح له الرعاد بمزونه



هنا ترف تعبيري يمتلكه المغيولي، كأنشودة حزينة تغنيها العصافير، وترددها حناجر أتعبت الصدى بترديد نبضه وحروفه وفكره أيضاً!.

ألا واهني اللي !!

وصدق شاعرنا، صدق كعادته

ويؤكد ما ذهبت إليه هذه القصيدة التي تحتاج إلى إعادة قراءتها، وأضمن للقارئ الكريم أنه لن يمل من ترديدها، كعاشق يعجبه التغني باسم محبوبته، لا يمل من ذكرها، ولا يأنس إلا ببقائها بجواره تعطر أجواءه، وتجعله يشعر بروعة القرب، وحلاوة الوجود ! اقرأوها جيداً، وتمعنوا بهذه الأجواء التي تخضل بعبق الكلمات، هي ترنيمة أمل وألم تعاضدا كي يخرجا بهذه الحلة البديعة التي ترتدي كل الإتقان المتاح! ولا أنسى أن الإيغال بوصف المشاعر، والأحداث، والانطباعات بهذه الصورة الفريدة، إنما تظل في عالم الشعر من المعايير التي يعتمد عليها، تقييماً، وتذوقاً، وانسجاماً، وتفاعلا!

الا واهني اللي من الحب ما يهتم

... يطيب الزمان أو يختلف شين ماهمه

معافى زمانه لا يهوجس ولا يندم

... يقضي ليالي شباط والقيظ عند امه

وانا اللي عيوني تزعج الدمع دمعه دم

... واخفي جروح الروح والروح منسمه

سبب جاهل لاهوب يصخف ولايرحم

... لو اني من أقصى الناس والا ولد عمه



ولنستمع للعبقري المغيولي في هذه الإيقاعية التي تحتاج إلى قلب ذي سعة مشاعرية أكبر، كي يكون بمقدوره أن يختزل هذا الألق ويضعه في مكان بهيج ٍ من قلبه!

الا ياعيوني ما يفيد النظر والشوف

تكافي وكفي لاتراعين ياعيوني

تكافي كفاك إمكايد الجادل الغطروف

أبو وجنةٍ فيها شرى الموت مقروني

أنا اشوف شوفك واتمنى وانامشفوف

من اللي سلب عقلي على غير قانوني

غزالٍ يداني خطوته بين امان وخوف

يوطّي قدم رجله على القاع بالهوني

لحظني بعينٍ كن فيها نمش وسيوف

وقع ما بكفي واختلف وانصفق لوني



وهنا نراه في وداع بدره يقول:

أودعك يابدرٍ ظهر له زمان وغاب

أودعك يوم أبعدت نورك عن الديره

أودعك يابدرٍ سرى والهوى ما طاب

عليه العيون الدمع جرح معابيره

أودعك لأجل الحب مع نورك الجذاب

هويته وحبيته ولا شاقني غيره

وداعتك روحي يوم جابه لك الجلاب

جلبها الغلا والحب هذي تدابيره


ما أروعك! أيها الأنيق، وما أجملك وأنت تجعل من البدر شيئاً آخر يمكن له أن يهبط ليعيش مع البشر، جعلته هكذا، فرأيناه نحن تحتضنه مشاعر صيغت من حرير.

هو والعيد والناس

وعزاءات في صباحات العيد المتوشح بلوعة الحب، والأسى، والشموع الغافية، والطرقات المليئة ببشر يلهون على قارعة الفرح، أما شاعرنا فقد كان له رأي آخر!!

كل حيٍ عزا له ميت يوم العيد قاد الضحايا

وآه أنا اللي نهار العيد لتلا العيد رحت الضحيه

وينكم يا رجاجيل الشهامة و الفخر والحمايا

ليه ابن عمكم يوخذ نهار العيد ببلا دعيه

صابني و ابتلاني من عليه من الغزيّل حلايا

عنقها و العيون السود وأذهبني بغنجه وغيّه

صابني بالدلع والعين والغرة وحمر الشفايا

ما ترك لي مجال أعطيه علم ولا أعرف وش نويّه

قلت للي سلب عقلي تراني ماحتمل هالسوايا

راع حالي رعاك الله بمعروفك و حلمك عليّه



أما لوم العيون، فله وقفات صاخبة، وانكسارات مذهلة، وتحديات باهرة، وتجليات كالبدر المشرق في ليلة ناصعة البياض!

عفا الله عن قلبٍ شكا والسبب عينه

شكا واشتكى والناس ماترحم المصيوب

تراك السبب ياعيني اللي تورينه

تورين قلبي وأحرقه حامي اللاهوب

ألا ياوجودي وجد من غرقّه دينه

عليه الديون العام ثلثينها مقلوب

على جاهلٍ يمشي دلع شايفٍ زينه

يفوق البنات وسنها غاية المطلوب



وللعين أيضاً وقفة أخرى، ولأجل عين، تكرم الدنيا بأسرها، وليس فقط بقعة منها!

من شان عينك يهل الدمع من عيني

يا كثر دمعٍ على فرقاك هلّيته

مالي حبيبٍ على الغاية يسليني

إلا أنت ياللي ملكت القلب وأشقيته

ولعتني بالهوى من شان تشقيني

ياما و ياما من الغربال عانيته



المغيولي إذن كان سيد الموقف فيما له علاقة بحبك الشعر، فالقصيدة تخرج من قلبه المتشظي، وروحه الوثابة، ومشاعره المتقدة أكثر جرأة وإثارة وتشويقا!، مما يولد لدى المتلقي تمرداً غريباً، وانعتاقاً صاخباً، واندماجاً لا يمكن الانفكاك منه بسهولة، فهو عبقري في تدشين ذلك كله، ولا ريب! ولو أصخنا السمع للمغيولي، أو كنا ممن أتيحت لهم الفرصة للمكوث بين يدي شعره، لتسنى لنا بكل تأكيد أن ننطلق معه في رحلات سامية في فضاءات العشق، ولشعرنا بالتأكيد بأن اختلافاً باهراً قد حل بالطبيعة الوجدانية الأخاذة، من خلال جدول من ودق أنقى من الندى، وأكثر رقة من زهرة ليلك ربيعة حالمة، استيقظت ذات صباح متدثر بغيمة!

المغيولي يا سادة رمز من رموز هذا العالم الفسيح الذي يسمى بالشعر، ومدرسة مستقلة بذاتها تهفو نفوس كثيرين للالتحاق بركبها، والانضمام إلى عالمها الجميل، ولعل التاريخ الحافل باستباقيات مثالية من المغيولي في عالم الشعر، له دلالاته المؤكدة بأن المغيولي من أولئك لا يمكن أن يتكرروا، كالبصمة التي لا تحدث عند البشر، إلا مرة واحدة فقط! رحمه الله وأسكنه فسيح جناته
رد مع اقتباس