عرض مشاركة واحدة
 الصورة الرمزية Tourist
Tourist

المشاركات: 2,640
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: دولة الكويت
العمر: 41
Tourist غير متواجد حالياً  
قديم 2012-11-01, 12:20 PM
 
عبد الحق المريني.. قصة صعود هادئ إلى دار المخزن



من يكون عبد الحق المريني؟ من يكون هذا الرجل الهادئ على الدوام، المتطبع بطباع المخزن مذ كان ملحقا بوزارة التشريفات والأوسمة؟
كيف أصبح، في ظرف سنتين تقريبا، مؤرخا للمملكة ثم ناطقا رسميا باسم القصر؟
البحث عن تفاصيل حياة المريني صعب. التفاصيل تختفي بين ثنايا ملامح وجهه الذي يختزل كل ما تكتنفه دار المخزن من سمات الجدية والحزم والمحافظة. التفاصيل تتيه أكثر بين جذاذات التاريخ وتحقيقات الأعلام وعلوم الأنساب.
اسمه عبد الحق المريني. الاسم ذاته يحمله أول شيوخ بني مرين، عبد الحق الأول، وأول واضع لأسس الدولة المرينية، أبو يحيى عبد الحق المريني، وآخر الحكام المرينيين، أبو محمد عبد الحق المريني.
عبد الحق المريني اسم شائع، إذن، في قائمة حكام الدولة المرينية، الذين تختلط دماء أمازيغية وزناتية وفاسية داخل عروقهم. هذا الاسم ذاته ما زال يتردد داخل أبهاء قصور سلاطين المغرب وحجرات دار المخزن. حامله هذه المرة رجل تتقاطع في سيرته أسرار مخزنية وتفاصيل الطقوس المرعية ومكنونات التاريخ وهوامش من شعر وأدب. عند اسم عبد الحق المريني تلتقي أيضا مفارقات أخرى، كيف ذلك؟
عبد الحق المريني مزداد بالعاصمة الإدارية الرباط، سنة 1934، السنة التي أصبح فيها الاحتفال بأسمى الطقوس المخزنية، عيد العرش، أمرا رسميا.
للسنوات، كما يبدو، رمزيتها، كما للفضاءات والأماكن التي ارتادها المريني قبل أن يدخل القصر من بابه العريض المرصع بالذهب والفضة. أول هذه الأماكن ثانوية مولاي يوسف، المحاذية للقصر العامر بالرباط. هنا، في هذه الثانوية التي كان يرتادها، آنذاك، علية القوم وأبناء دار المخزن وأولاد «اتواركة»، «حومة سيدنا»، تلقى المريني تعليمه الثانوي.
منذ البداية ارتضى المريني لنفسه مسارا جامعيا ذا نفحة تقليدية، فبعد حصوله، سنة 1960، على دبلوم معهد الدراسات العليا المغربية، حاز على إجازة في الآداب من كلية الآداب بالرباط سنة 1962. رحلة الآداب والدراسات التقليدية الملمس قادته سنة 1966 للحصول على دبلوم الدراسات العليا من معهد الدراسات العربية والإسلامية العليا بجامعة ستراسبورغ الفرنسية.
خلال هذه الحقبة، أي الستينيات، كان المغرب يغلي داخل تنور قائظ. المخزن كان حينها في أوج سطوته، والقصر كان مشغولا بصراعات قاسية لإخراس الأصوات المعارضة، معنى وحقيقة وسياسة وفعلا. لم يبد أن عبد الحق المريني انشغل بهذه الأحداث من موقع المشاركة فقد كان مسار الرجل واضحا ومحسوما منذ البدء.
ما بين 1960 و1965، كان عبد الحق المريني يلقن جيلا جديدا العربية، اللغة الرسمية للمغرب، فضلا عن التربية الوطنية، إذ عمل أستاذا لمادة اللغة العربية بثانوية ابن ياسين بالمحمدية وثانوية الحسن الثاني بالرباط قبل أن ينتقل إلى المعهد الملكي للشبيبة والرياضة مدرسا مادة التربية الوطنية.
خلال هذه الفترة، وكما ذكرنا، كان المريني يتابع دراساته العليا إلى أن حصل، سنة 1973، على دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة محمد بن عبد الله بفاس سنة 1989. موضوع أطروحة الدكتوراه لم يحد عن أمور المخزن وتاريخه، فقد كان عنوانها «شعر الجهاد في الأدب المغربي». والمشرف على دكتوراه المريني لم يكن سوى العلم عباس الجراري.
بتؤدة وصمت ودون جلبة، دخل المريني رحاب القصر قادما إليه من رئاسة ديوان نائب كاتب الدولة في التعليم التقني وتكوين الأطر، وهو المنصب الذي شغله ما بين 1964 و1965. هكذا عين المريني سنة 1965 ملحقا بمديرية التشريفات والأوسمة، وهو المنصب الذي قضى فيه سبع سنوات، حتى عام 1972.
سبع سنوات بقلب دار المخزن كانت كافية لتشبع وليد سنة أول عيد عرش بالمغرب ومدرس الآداب والتربية الوطنية بالآداب السلطانية والقواعد البروتوكولية، ليبدأ مسارا متدرجا نحو الدائرة الصغيرة المحيطة بالملك. المسار بدأ سنة 1972 بتعيين المريني مكلفا بمهمة بوزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة، حتى عام 1998، حيث عين، وبعد 33 سنة من العمل في التشريفات والأوسمة، مديرا للتشريفات الملكية والأوسمة.
هذا الصعود، رغم بطئه النسبي، مرده صبر المريني وألفه لحياة المخزن إلى درجة أصبحت التفاصيل السلطانية تختلط بالأوكسجين الذي يتنفسه. بدا ذلك من خلال انصراف جل كتاباته التي ألفها ما بين سنتي 1975 و1999 نحو الأدب والتأريخ السلطاني، بدءا بديوان «الحسنيات» المكون من ثلاثة أجزاء، ومرورا بمؤلفات «قال جلالة الملك الحسن الثاني» و»مجموعة الخطب الملكية والرسائل المولوية والأوامر اليومية الموجهة إلى وحدات القوات المسلحة الملكية»، والمستقى من اهتمام المريني القديم بالتاريخ العسكري المغربي، وصولا إلى كتب «جلالة الملك الحسن الثاني الإنسان والملك» و»محمد الخامس دراسات وشهادات».
تشبُع المريني بالروح المخزنية المحضة وولاؤه المطلق للقصر جعل الملك محمد السادس يجدد الثقة فيه من خلال تزكيته في منصب مدير التشريفات الملكية والأوسمة، قبل أن يعينه سنة 2010 مؤرخا للمملكة ثم ناطقا رسميا باسم القصر أول أمس الاثنين.
__________________




The road never ends ... only our vision does




رد مع اقتباس