عرض مشاركة واحدة
ساري أحمد
مزعوط نشيط
المشاركات: 134
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الدولة: ليساسفة casablanca
ساري أحمد غير متواجد حالياً  
قديم 2014-09-09, 10:23 AM
 
جاورَ الحزنُ قلبي و توشحت بالسواد أيامي على فراق الأحبةلكننا في ذلك الوقت ما زلنا أطفالاً والنسيانُ لدينا سريع للغاية
نمخرُ عباب الأيام ونتعلقُ بذكريات جديدة آملين تجاوز المحطات الحَزينة.
كانَ الحي جديداً نسبياً وكانَ مليئاً بالجنسيات المختلفة عرباً كانو أم عجماً
وكانت الشتاءاتُ رائعة للغاية، فنظرةُ من شُرفة " الشقة" تلك الأيام
تجعلكُ تشعرُ وكأنك في حلم أزلي لا ترغب الاستيقاظ منه أو قطعه.
حينما بلغتُ الثامنة عشر تعرفتُ على مجموعة أصدقاء في الكُلية، وكان ذلك الوقت
من يملك هاتفاً محمولاً فهو " مطنوخ" و أماراتُ النعمةِ عليه.
كنتُ أكتب بعض القصائد والخواطر على دفترٍ كبير نسبياً ، ذو تجليدٍ فاخر وأطراف ملولبة
وطريقةُ اغلاقهُ تشبه إلى حدٍ كبير آلية إغلاق الحقائب الدبلوماسية إن صح التعبير.
ما زلتُ اذكر المقدمة التي كتبتها على أول صفحةٍ جانبية
" لا يجوز نبش قبور الضُعفاء ولا العُشاق" ..
كُنا في الحصص الأولية لمادة الإنجليزي والتي درسناها في المراحل الإبتدائية والمتوسطة والثانوية بمدينة الجبيل الصناعية
نكتبُ تلك الأبيات ونرسم بعض الخربشات ونتباهى أمام الفصل.
إلا صاحبنا " محمد " النصراوي العاشق المتيم بالنصر السعودي وصاحبه " بداح "
الذي كانَ هاتفه المحمول مليئاً بالصور للمغرب..

كانَ يحدثنا عن رحلاته برفقة والده " غفر الله له ولجميع المسلمين"
كانَ يقول : أبي يقول بأنك لو عشقت البلد فلن تتخلص منهُ بالسهولة؛فإما الجُنون المُباح
أو المُحرم.
كنتُ أتوقُ لأحاديثه فترة الاستراحة ما بين الحصص، وكانَت سجائره تصاحبه كلما خرجت تنهيدة
عقّبها بأخرى.
ما بالك يا بداح ؟ أ تُريد حرق نفسك وقتلها ؟!
ابتسم قائلاً : لن تعرف العشق ولا الحُب حتى تطأ قدمك المغرب..


أما الزاوية في مؤخرة الفصل فكانت أشبه بمنطقة العمليات
و تخطيط المقالب، إنها الفوضى يا سادة التي تجتاحُ المراهقين أمثالنا..
أتت العطلة الصيفية وكنتُ على يقينٍ بأن بداح سيغادر مع والده إلى " المغرب"
فزرتهُ قبيل سفره وانتهاء الدراسة في غرفته بسكن الكُلية، لم يكنُ شاربه قد اكتمل على ملامحه
كانت سحنته الجنوبية هادئة للغاية وادعة تحملُ في تفاصيلها البراءة والفطرة السليمة.
عدا تلك السجائر التي صبغت شفتيه بالسُمرة وكأنها اللمى..!
بداح ، متى موعد رحلتكم ؟
بعد غد يا حبيبي بعد غد ، سأدعُ لك الصيف و مصائبه فاغنم كل دقيقة بالرطوبة
و اطلق ضحكته المدوية، وندبتُ حظي وسوءَ طالعي فما باليد حيلة ، سأكونُ مضطراً لإكمال الفصل الدراسي بإجازة الصيف
و على أقل تقدير سأنعمُ بأعلى الدرجات نظراً للفراغ الكَبير الذي سيكون في الفصل ، فلا ضجيج ولا مقالب ولا قصائد..
كم كنتُ متلهفاً لسماع أحاديثه بعد عودته أثناء الفصل الصيفي
كم اشتقتُ إلى المقالب والأحاديث البريئة والأحلام التي كانت كالوقود لتلك المرحلة.




عاد بداح بعد مضي الإجازة..
وعدنا إلى مقاعد الدراسة..


أتى محملاً بالهدايا والتذكارات
كنتُ أرمقهُ بنظراتٍ حادة ، وكأني طفل فقد ماله يوم العيد..
كان علم المغرب معلقاً على إزرار قميصه العُلوي ، سحبتهُ بكل فضول
فدفعني بقوة ، ثم شدني مجدداً فعبس مزمجراً : يا ويلك !


يتبع..
رد مع اقتباس