عرض مشاركة واحدة
بنت فاس

المشاركات: 2,608
تاريخ التسجيل: Jan 2011
الدولة: italiya
بنت فاس غير متواجد حالياً  
قديم 2011-06-29, 02:14 PM
 
أزقة «فاس القديمة» غيّرت الصورة النمطية حول البغال والحمير

تعاني مدينة «فاس القديمة» أو «فاس البالي» أو «المدينة العتيقة»، كما يسميها المغاربة، من تكدّس سكاني يعد الأكثر كثافة في المغرب، وهذا إضافة إلى الحوانيت ومحلات الصناعات التقليدية والمباني الأثرية. زوّار «المدينة القديمة» من المغاربة أو السياح يثير فضولهم كثرة الدواب في أزقّتها الضيقة، بحيث بالكاد تتيح في بعض الأحيان لمرور شخصين أو دابة فقط. والواقع أن الحمير والبغال تستخدم هنا في نقل البضائع بين الأزقة، حيث لا وجود للسيارات على الإطلاق داخل هذه المدينة، بل يعتمد جميع السكان على البغال أو الحمير لأنها الوسيلة الوحيدة للنقل داخل «المدينة العتيقة».
لا يتجاوز عرض الأزقة في «المدينة العتيقة» في فاس في أحسن الأحوال المتر ونصف المتر، ولذلك لا تستطيع السيارات، مهما كان حجمها، اختراق الأزقة، مما يفرض على السكان والزوّار قطع المسافات لقضاء مصالحهم سيرا على الأقدام، أو على ظهور الحمير أحيانا. كثيرون يتساءلون عن الكيفية التي يتدبر بها سكان هذه البقعة من العاصمة الدينية والثقافية للمغرب حياتهم اليومية، ومنها على سبيل المثال حمل الأثاث إلى منازلهم أو نقل الأثاث من مكان إلى آخر، وغيرها من ضروب الحياة اليومية للسكان، كالتخلص من الأوساخ والنفايات المنزلية. من ناحية ثانية، في كثير من الأحيان تروج صورة نمطية عن الحمار أو البغل ترتبط بالغباء. لكن هذه الصورة لا وجود لها في «فاس القديمة»، إذ أعادت أزقتها الاعتبار لهذه الحيوانات المسكينة، التي تلعب دورا فعالا وحيويا في تيسير الحياة اليومية داخل أحياء «المدينة العتيقة» ودروبها الضيقة. فحمير فاس وبغالها تسدي خدمات مهمة مرتبطة بالحركة التجارية والاجتماعية للمدينة وسكانها، ومن ثم تعيل مجموعة كبيرة من الأسر وتعتبر مصدر دخلها الوحيد. أضف إلى ذلك، أن هذه الحيوانات خبرت الدروب والأحياء وحفظت مسالكها عن ظهر قلب؛ بحيث غدت تتنقل فيها من دون «خارطة طريق».

لقد فرضت جغرافيا «فاس القديمة» وطبيعتها المعمارية، حيث الأحياء المتداخلة في صعود وهبوط، ضرورة استخدام الحمير والبغال في كل شيء، ذلك أن الحاجة الأساسية للمواطنين والحرفيين لنقل البضائع والمنتجات الجلدية والمعدنية من المصانع الصغيرة والمشاغل إلى أماكن تخزينها أو استهلاكها، والعبور بها عبر مدارج العقبات والأزقة الصاعدة والهابطة، وتفريعاتهما الكثيرة، تستلزم الاعتماد على الحمير والبغال كوسيلة نقل لا بد منها.

وتعليقا على هذا الواقع يقول التهامي الدباغ، من «حي الصفارين» في «المدينة العتيقة» شارحا: «الحمار هو الكل في الكل في المدينة»، ويستطرد: «العشرات من أسر المدينة العتيقة تعيش من استخدام هذا الحيوان في نقل البضائع والسلع لفائدة التجار وبين المواقع التجارية والحرفية مقابل مبالغ مالية متفاوتة ومتباينة تخضع إلى المساومة بين الطرفين». ويعرب الدباغ عن اعتقاده بأنه «من دون الحمار لا يمكن للحركة التجارية أو الحرفية، أن تنتعش في هذا المكان من فاس نظرا لصعوبة نقل السلع في الدروب الضيقة». وحقا، في أحياء مثل «الرصيف» و«البطحاء» و«الطالعة الصغرى» و«الطالعة الكبرى» و«بوجلود» و«باب الكيسة» و«باب الفتوح»، وفي كل موقع من «المدينة العتيقة» يجد الزائر أن معظم دروبها وأزقتها الضيقة لا تتيح المرور إلا لشخصين بحد أقصى، وحيثما ذهب سيلحظ الحضور للحمير والبغال في دورة الحركة التجارية.

هذه الدواب التي تستخدم في حمل وتوزيع السلع ومواد التموين على الدكاكين، تستطيع السير بسهولة داخل الأزقة المتشعبة والضيقة. وكثيرا ما يكرّر أصحاب هذه الدواب كلمة «بالك» بالعامية - التي تعني انتبه - لمرور الحمار أو البغل، كي يفسح المارة الطريق أمام هذه الدواب بحيث لا تصطدم بهم. وبالنتيجة، أصبحت هذه الكلمة عادية لزوّار «فاس القديمة»، وما عاد يثير الفضول منظر عشرات الحمير والبغال المحملة بالسلع والبضائع، وبعضها يصعد العتبات الإسمنتية التي تأقلمت معها وتعبرها دون مشكلات، وهو أمر يصعب في كثير من الأحيان على المارة العاديين. وكما سبقت الإشارة، فإن هذه الدواب باتت تعرف جيدا طريقها في التنقل بين الدكاكين والمحلات التجارية، وفي أحيان كثيرة لا تحتاج إلى أي توجيه إبان تنقلها من حي إلى آخر، ولا يبذل صاحبها أي جهد سوى ترديد كلمة «بالك».

ويقول علي ركبي، وهو صاحب حمار رهن إشارة التجار والحرفيين في «المدينة العتيقة»، أن مدخوله اليومي «غير ثابت ويخضع لقانون العرض والطلب وثقة الزبائن»، لكنه يؤكد أنه يتراوح بين 30 إلى 100 (4 دولارات إلى 12 دولارا أميركيا)، موضحا أنه يعيش من هذه المهنة ويعيل أسرة من سبعة أفراد منذ أكثر من عشر سنوات.

وأخيرا، ليس من المستغرب أن يساهم الحمار في فرحة الأزواج الجدد «ليلة الزفاف» بحمل العروس ومتاعها إلى عش الزوجية. وبقدر ما يستغرب الزوار هذه الظاهرة اللافتة، يبقى الأمر عاديا عند أهل فاس. وهنا، تحديدا في «فاس القديمة»، وعلى الرغم من هيمنة زمن الآلة والعصرنة، تبقى الحمير والبغال الوسيلة الوحيدة المتاحة للنقل. كما يعتقد أحد سكان حي «القلقليين» في تعليق له أن «للحمير الفضل الكبير في جمع النفايات ونقل المواد والسلع والبضائع والأتربة والعجزة، وأحيانا لعب دور سيارات الإسعاف في نقل المرضى أحيانا إلى خارج المدينة العتيقة، حيث تتوافر وسائل النقل العادية».
رد مع اقتباس