عرض مشاركة واحدة
 الصورة الرمزية ساري أحمد 2
ساري أحمد 2
مزعوط نشيط
المشاركات: 83
تاريخ التسجيل: Sep 2018
الدولة: ليساسفة - الدار البيضاء
ساري أحمد 2 غير متواجد حالياً  
قديم 2018-10-03, 10:46 AM
 
اللهم جنبنا مرارة الاشتياق ولواعج الفراق و أجعل قلوبنا نقية كنهر أبي رقراق وأبيةً كالعراق، وارحمنا يوم تلتف الساق بالساق.
اللهم ارحم صديقي " عبد العزيز" واغفر له واجعل قبره روضة من رياض الجنة يا ذا الجلال والمِنّة.
اعلمُ بأن الصور هي مطلبكم جَميعاً لكن أمهلوني بضعة أيام لا اجمع أنفاسي لأني قد نثرتُ شُعيرات رئتي فوق حقول المحيط الأطلسي فأمطرت نرجساً وأرعدت حروفاً علها تنال ذائقتكم الجَميلة.
في هذه الرحلة الطويلة " جزئياً" القصيرة "فعلياً" كان جُل اهتمامي ينصب على إنهاء الكثير من الأمور العالقة في مغربنا الحَبيب.
فما بين مراجعات ومشاورات وبحث طويل وعميق استقر الرأي على بيع "منزل" وشراء آخر بحثاً عن الهدوء والسُكون، تماماً كسكون الرباط في المساءات الباردة.
لكن ذلك لا يعني إهمالي لجدول الرحلة أبداً، فلقد تنقلتُ هنا وهناك وبين أحشاء الأطلس تكون جَنين العشق المُفرط هذه المرة، حيث أن المرور ببعض الأماكن لأكثر من مرة يجعلك ترسمُ لوحة أخرى بتفاصيل أجمل و أدق.
أما صديقي عبد العزيز رحمه الله، فشاءت الأقدار أن نفترق قُبيل رحلتي بأربعة أيام تقريباً، إذ تبادلنا أطراف الحديث ذلك المساء وحينما رآني خارجاً من المنزل سألني بصوته المبحوح : صافي غادي للبلاد؟
ابتسمتُ له قائلاً: كلا يا عزيز فإني متجهُ إلى أحد المطاعم القريبة وسأحضر لك أيضاً العشاء، قال : كلا كلا إنما خشيتُ أن تُسافر ولا أراك ولا أودعك.
كأنه على علم مسبق بقرب أجله، ذلك اليوم لم يكن اعتيادياً أبداً، والخوفُ دب بين جوانبي لأني فقدته يومين تقريباً وسألت الحاج محمد: ألم ترى عبدالعزيز؟
لا يخفى عليكم بأن حي " ليساسفة" يعتبرُ كالقنبلة الموقوتة إن لم يكن كذلك، نظراً لتردي الخدمات وكونه يقع على الطريق السريع بين الدار البيضاء و مدينة الجديدة، ولكم أن تتخيلوا كثافة المركبات والشاحنات وتلك العَربات المتهالكة، وسائقو الشاحنات المتهورين جداً إذ يعبرون الطريق ويُخيل لهم بأنه لا يوجد أحد أمامهم.
ولا يعنيهم شيء سوى إيصال تلك البضائع بعد تمزيق الطرق الجديدة والقديمة و جعل الحي والطريق المؤدي إليه والمخرج كذلك أشبه بأطلال اعمال صيانة.

في ذلك المساء خرج عبدالعزيز ولم يعد ، نعم صدقوني لم يعد المسكين، فلقد كان يهمُ بالتجاوز للرصيف الأخر ولم يرى تلك الشاحنة الكبيرة، آه و ألف آه أيها العزيز على قلبي، أتت تلك الشاحنة لتدهس ذو القوام النحيل جداً، حجم السُنبلة في حقول القمح، لتجعله يصارع الموت لمدة يومين في المستشفى ومن ثم سلم الروح إلى بارئها.

هنا كانت الصدمة كالصاعقة فوق رأسي، خانتني الدموع حينها لدرجة بأني شعرتُ بأن ملوحة البحر الميت تتفجرُ من خلال عيني وحينها لم أشعر بقلبي، هل هرب نحو الجنوب أم دب البردُ بين جنباته.

ليرحمك الله يا عبدالعزيز
لن أنسى ما حييت قُبلاتك على جبيني
وتلك الابتسامة وسؤالك الدائم عن أحوالي
رغم ضعف حالتك و عوزك وقل حيلتك.
لكنك شيدت في قلبي لك قصراً لا يهدمه أحد.



رد مع اقتباس