عرض مشاركة واحدة
 الصورة الرمزية الدوكالي
الدوكالي

المشاركات: 3,591
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: الرياض
الدوكالي غير متواجد حالياً  
قديم 2011-09-17, 02:48 PM
 
قصة مغربي من داخل المارينز

قصة مغربي من داخل المارينز.. الجد حارب النازية والحفيد يطارد طالبان

عندما انتقل عبد الباسط جيبو من مسقط رأسه ببني ملال إلى ولاية نيوجيرسي الأمريكية لإتمام دراسته، وسنه لا يتجاوز الأربعة عشر ربيعا، لم يكن يدرك أنه سيجد نفسه في يوم الأيام في ساحة المعارك بأفغانستان، حاملا سلاح قوات المارينز في وجه مقاتلي طالبان. في الروبورتاج الذي سننشره في عدد الغد، سنتابع مسيرة عبد الباسط الذي تأثر بذكرى جده الذي كان مجندا في صفوف القوات الفرنسية، وشارك معها في الحرب العالمية الثانية، وبوالده الذي كان جنديا في القوات المسلحة الملكية المغربية، والذي لقنه أبجديات العمل العسكري وغرس فيه خصال الجندي المثابر منذ نعومة أظافره.
قضى عبد الباسط جيبو الأربع عشرة سنة الأولى من حياته في مدينة بني ملال، حيث ترعرع في كنف والده، الذي كان حينها مجندا في صفوف القوات المسلحة الملكية المغربية، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبالضبط إلى ولاية نيو جيرزي. ولقد ساهمت طبيعة عمل الأب في تشكيل معالم شخصية الإبن. يقول متحدثا عن طفولته في مسقط رأسه: «بني ملال مدينة صغيرة، كنا نعرف بعضنا البعض لدرجة أن الأمر كان شبيها بالعيش في أحضان عائلة واحدة. ومن الصور التي ظلت عالقة في ذاكرتي عندما كان أحد الباعة المتجولين يضايق سائحين يتحدثات الإنجليزية، إذ تدخل والدي وخلصهما من ذلك الشخص الذي كان يحاول أن يبيعهما سلعا مزيفة. وقال لهما والدي إنه بإمكانهما المكوث معنا في منزلنا ماداما حديثي الوجود في المدينة. وفي الأخير، أخبرا والدي بأن تلك كانت أفضل الأوقات التي قضياها في زيارتهما لبلد أجنبي. لقد كان ذلك تصرفا جيدا ».
كان لذلك المشهد تأثيره الكبير على شخصية عبد الباسط، حتى أنه رسم هدفه في الحياة ليصبح مثل والده، الطيبوبة الممزوجة بحس كبير بالشرف. لم ينس عبد الباسط ذكرى جده الذي كان بدوره مجندا وحمل السلاح في صفوف القوات المسلحة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، كما لم تفارق باله صورة والده وهو يعود إلى المنزل مرتديا زي القوات المسلحة الملكية المغربية. كان يدرك منذ طفولته الأهمية التي توليها عائلته للانضمام إلى صفوف الجيش، لكن رغم ذلك، فوالده الذي شارك في العديد من المهام الإنسانية رفقة بعثة الجيش المغربي إلى عدة مناطق في إفريقيا، لم يكن يتحدث عن عمله داخل البيت، وكان يؤمن بأن شؤون العمل يجب أن تنتهي بمجرد الدخول إلى المنزل. ذلك الموقف لم يكن يمنع الأب من تلقين ابنه مبادئ الاهتمام باللياقة البدنية وضرورة الحفاظ على صحة جيدة.
يقول: «كنا دائما نقطع مسافات طويلة في العدو وممارسة التمارين البدنية. كان يحاول تلقيني كيف أكون رجلا. أجدني أضحك دائما وأنا أجد أنني كنت رفقة والدي أقوم بتمارين بدنية أكثر مما أقوم به وأنا في صفوف المارينز ».
لقنه والده أيضا في سن مبكرة أبجديات التحمل والمثابرة تماما كما هو عليه الحال بالنسبة للجنود، حيث كان حريصا على جعله متمسكا بسلوك مهني منذ الصبى.
«حاولت في إحدى المرات التسابق مع والدي عندما كنا نصعد إحدى التلال، تمسكت بجذع شجرة، لكنه انكسر فوقعت وتدحرجت من أعلى التلة، وأصبت برضوض على ركبتي إثر الارتطام بالصخور. استلقيت في أسفل التلة أبكي والدماء تسيل من جسدي، فجاء والدي وقال لي «حرك قدميك»، قلت: ماذا؟، فكرر قوله «حرك قدميك». نفذت قوله ووقفت كأن شيئا لم يكن وقد زال الألم. لقد علمني منذ ذلك الحين كيف أتعامل مع الألم. وكلما أصبت بجروح أو رضوض، أكتفي بالنظر إليها وأعتبرها لاشيء ».
«لقد كان والدي مصدر إلهام بالنسبة لي. يظل في نظري مثالا للكمال، حتى أنني لم أره يوما يتأثر بالألم. كان في إحدى المرات يتمرن، فتعرض لكسر على مستوى ذراعه، وعاد إلى المنزل وكأن شيئا لم يحدث واستمر في ممارسة أعمال المنزل كعادته، وقال إنه يظل رجل البيت وعليه أداء مسؤوليته داخله. أريد أن أكون مثله. أحاول فعل ذلك، لكنني لم أبلغ بعد مستواه» .
انتقل عبد الباسط رفقة والدته وهو في سن الرابعة عشر إلى الولايات المتحدة لإتمام دراسته، مشبعا بتربية والده ومسلحا بتمارينه الرياضية المميزة.
«وأنا في المغرب، لم أكن أشغل بالي كثيرا بالتفكير في المستقبل. فقد كنت أعيش كل يوم على حدة. لكن عندما توجهت إلى الولايات المتحدة لاحظت أن الناس لا يتوقفون، وأدركت أن ثمة حاجة إلى التفكير في المستقبل والتخطيط له. ذهبت إلى مكتب التجنيد بقوات المارينز، فقال لي المسؤول: «سنرى إن كنت ستٌقبل أم لا.» أما باقي فروع الجيش، فكانت تطلب مني فقط ملء الاستمارات والولوج مباشرة. لكنني وضعت نصب عيني الالتحاق بصفوف المارينز، وكان تحديا ليس بمقدور الجميع رفعه.»
كانت قوات المارينز ملائمة جدا لعبد الباسط، إذ سبق له أن اكتسب قيمه في سن مبكرة. كان متفوقا من الناحية البدنية كما تعلم مهارات جديدة كتقني متخصص في المدفعية. وتم إلحاقه بالكتيبة الثانية لمهندسي المعارك، حيث تتوزع مهامه بين العمل الإداري والميداني.
يقول عنه أحد زملائه في نفس الكتيبة: «إنه عنصر ممتاز وشخص مميز. حريص على أداء مهامه. وكلما تم تكليفه بأمر ما، كيفما كان، فإنه ينفذه في وقته المحدد.»
تكاد فترة تجنيد عبد الباسط تنتهي، لكنه يفكر في تجديدها، حيث يحدوه الأمل ليصبح فردا ضمن الفرق الخاصة التابعة للمارينز. ويثني طيلة الوقت على والده الذي منحه الأسس المتينة لتكوين شخصيته وبالتالي النجاح في مساره كأحد أفراد المارينز.
يقول عبد الباسط: «لقد جعل مني هذا الرجل الذي ترونه الآن. كان يقول لي للرجل مسؤولياته إلى جانب الأمور التي ينبغي عليه تحملها كالأسرة والعمل. وعلمني كيف أقدم يد المساعدة إلى أقصى حد ممكن».
__________________

رد مع اقتباس