الابطاااال
دنيز
عمر
اسمي دينيز .. جدي أعطاني هذا الاسم اللحظة التي فتحت فيها عيناي
أخبرني أنهما كانا بنفس لون البحر ، زرقاوتان ولكن ليس ذلك الأزرق المألوف
كان هناك شيء مميز بشأنهما , صافيتان جدا عميقتان جدا وكأنه بإمكانك الغرق فيهما.
في تلك اللحظة لقد همس بدهشة : دينيز ، سيكون اسمها دينيز
ابتسمت أمي له ابتسامة يخالطها الإرهاق بينما تسأل :
هل هذه كلمة تركية ؟
"نعم" قالها بينما يهز رأسه
"والمعنى ؟" سألته أمي
" فقط انظري إلى عيناها !" قالها ولم يزل ناظريه عني
" البحر أيضا ؟" قالتها بينما تقبلني بين عيناي
بالطبع ستتساءلو كيف عرفت تلك التفاصيل ، ومن أين لي أن أتذكر أنها قبلتني بين عينان
وأن جدي لم يزل ناظريه عني بينما يطلب منها النظر لعيناي
حسنا لقد سمعت تفاصيل هذا اليوم خمسة ألاف مرة
وهذه المرة الخمسة ألاف وواحد
وستتساءلو أيضا لماذا التركية خاصة ؟
لقد ولد جدي في تركيا وقضى طفولته وصباه هناك
لقد كان لديه دائما اهتمامان
السفر والحيوانات النادرة ! ، لكن لم يستطع فعل أي منهم بسبب رفض والديه
فاكتفى فقط عشرات الصور لأماكن يريد زيارتها وحيوانات يريد اقتنائها وبعد وفاة والديه
في حادثة مؤسفة وهو في سن الخمسة وعشرين لم يجد سببا للبقاء ضاق المنزل عليه
بطريقة لا يحتملها ، لقد كان وجودهما يزيد اتساع البيت لا يزحمه !
أخبرني من قبل أن الزحام ليس بالضرورة زحام الأشخاص ، ربما تكون وحدك
لكن زحام الذكريات يطاردك ، زحام الأحزان والأفكار التي لا تنتهي
وربما بجانبك أشخاص لكنهم يزيدون حياتك اتساعا وكأن نسبتك في الأكسجين تزداد.
بدأ جدي مغامراته حول العالم ، ثم استقر هنا في لبنان عندما قابل جدتي (ميا)
وأنجبو أمي داريا وتعني البحر أيضا وهذا ما يفسر وضع أمي لكلمة أيضا في سؤالها عن معنى اسمي
أمي أيضا لديها نفس العينان الزرقاوتان لكن جدي أخبرني دائما أنني مميزة
أعتقد أنه يبالغ ولديه فقط ولعٌ بالبحر
ثم تزوجت أبي الاسترالي وهي مع جدي في رحلة من رحلاته في البحث
عن السمك الفقاعة المهدد بالانقراض وأنجباني :D
أخبرتكم مهتم بالحيوانات الغريبة ! وهذا ما يفسر تربيتنا قردٌ في المنزل بدلا من كلب أو قطة !
الناس هنا لم ينتبهوا كثيرة لجنسية جدي لأن اسمه مراد ، لكنهم أعطوني أنا جنسيته
بسبب اسمي وشعرت نفسي دائما غريبة وموضع اهتمام محبين المسلسلات التركية
ومن يستخدمون أشكم وجانام وقلبم قبل أي جملة
بي هو لقبه ، أعطيته إياه بعدما شاهدنا فيلم كرتون Monsters
وبوو هو لقبي
جدي عصبي قليلا قد يبدو كالوحش فعلا للأشخاص الآخرين لكنه يكبح نفسه دائما أمامي
كما كان يتحول بي لشخص لطيف أمام بوو
حسنا من حديثي يمكنكم التخمين أنني قريبة من جدي أكثر من أي شيء في العالم
وهذا صحيح ، يمكنني الحديث عنه يوما كاملا دون ملل
هو قدوتي في كل خطوة أتخذها
"صباح الخير مستر بي" قلتها بينما أقبله
" صباح الخير آنسة بوو ! ، أرى أنك جاهزة للخروج!"
"أجل سيدي ، لدي مقابلة عمل ، ادعو لي رجاءا
أريد أن أصبح Ich Kadin تعبت من كوني فقط Kadin
"Ich" تعني أعمال و Kadin تعني سيدة
" ستصبحين أجمل سيدة أعمال في العالم ! ، أنا أؤمن بكِ "
خرجت بفستاني الأسود وبيدي ملف التعريف يحوي شهاداتي وتصاميمي
نظرت إلى الشركة نظرة ذات معنى
مليئة بالأمل ، والترقب ، وكأنني أرى أياما جميلة بالداخل ولأول مرة أكون بهذا اليقين من شيء ما
"ملفك مذهل ! أنا مندهش أنكِ ما زلتِ طالبة في الجامعة !"
قالها الشخص القابع أمامها ولا تدري عنه سوى أنه صاحب الشركة على الرغم
من أنه يبدو أصغر من امتلاكه لها !
" سأنتهي من الجامعة هذه السنة سيدي"
" أجل أرى لكن العمل بعد الجامعة لمدة خمس سنوات لن يصنع مثل هذا الملف المثالي !"
" شكرا لك سيدي ما زال هناك الكثير سأتعلمه منك"
" يمكنك تحدث الفرنسية والانجليزية حسنا تعلمتهم في المدرسة
لكن التركية والاسترالية والكورية ؟؟" قالها ورفع عينيه عن الملف لينظر لي بابتسامة متعجبة
" جدي تركي ، هو من علمني وساعده أنني مهتمة جدا بلغتهم وأغانيهم وثقافتهم وكل شيء!
أما الاسترالية فأبي استرالي"
" مم أرى .. أمك كورية غالبا ؟"
" ههههههههههههههههههههههههه ه"
" حمدا لله ، إن وجب أن آخذ ملامحهم لأمتلك لغتهم ! فأنا أعتز بلغتي العربية أشد اعتزاز"
" يا إلهي ! لا تقل هذا !" قلتها بعصبية
" ماذا ؟ ماذا ؟" قالها بتوتر خفيف ثم رفع صوته بصدمة
" جدتك كورية ! اللعنة أنا أسفة"
" ههههههههههههههههههههههههه هه اللعنة ليس أي منهما
فقط أحب الكوريين ودراماتهم"
" هيا هيا اذهبي وشاهديهم في المنزل ، لتضيق عينيك ولا تستطيعي البكاء ان شاء الله"
" ماذا ؟؟؟"
" مزحت ! ، يا لكِ من بئر جدية ! بالطبع إن أخذت كل تلك الثقافات سأخرج طفل مشتت ومعقد "
" أستطيع أن أفهمك جيدا معرفتك بثقافة واحدة ولغة واحدة لا تتقنها جيدا حتى يضيق أفق الإنسان
قليلا ويجعله منغلقا وغير متقبلا لثقافات الآخرين ! ، قبل أن ننظر لضيق عينيهم يجب أن نحل ضيق أفقنا "
" يا فتاااة ! اذهبي اذهبي العمل لكِ على بركة الله تستطيعين البدء منذ الغد"
ثم أكمل بهمس " لا يستطيع أحد التناقش في هذا العالم "
ابتسمت بينما أقف وأمد يدي للمصافحة
" تشرفت ، وآسفة على انفعالي ، أنا منتمية قليلا لاهتماماتي بشكل زائد"
" أنا أكثر ، قليلا أم بشكلٍ زائد !" رد وهو يمد يديه ويبتسم بسخافة
" أراك غدا سيد .... " قلتها بسخافة أكثر ليرد
" مهند"
نظرت للوحة الموضوعة على مكتبه وفوقها اسمه لتعلم أنه يمزح
" أراك غدا سيد عمر " قالتها بينما تستدير لتذهب
" نووووووووووووووور لا تذهبييييي !"
قالها ثم التف حول نفسه بالكرسي وضحك بصخب وهي أكملت طريقها تشق شفتيها ابتسامة
قد تتحول لانفجار ضحك طوال الطريق وسيظن الجميع أنها حمقاء كالعادة !.