مزاعيط المغرب - السفر الى المغرب - فوضى السياحة في الصحراء الشرقية

فوضى السياحة في الصحراء الشرقية

الجمعة, 23 سبتمبر 2011

https://www.assabah.press.ma/images/...61_200_113.jpg

خيام سياحية بالشكاكة

شركات دخيلة ومرشدون يهربون السياح وسياحة الواحات والكثبان بعيدة عن المراقبة
"هوليداي سرفيس"، "ترافل..."، "قصر..."، "رياض..."، "فندق..."... إشهارات وإعلانات شركات سياحية مصنفة وغير مصنفة تتراقص في سراب يجثم على مدخل ومخرج زاكورة، وكذلك محاميد الغزلان، كلها تتنافس في عرض صور رحلات خيالية من أعماق ألف ليلة وليلة في الصحاري. وتنتظر رسو حافلات وسيارات السياح، إلا أن انتظارها يطول، لأن أغلب السياح يهربهم مرشدون من أكادير ومراكش إلى "البيفواكات" (خيام سياحية) في "الشكاكة"
على بعد حوالي 60 كيلومترا من محاميد الغزلان وغيرها من المناطق الصحراوية التي تحط فيها شركات خيامها وتجهيزاتها لاستقبال سياح دون علم السلطات.
تاريخ السياحة في المنطقة تطبعه المواقف، إذ كان شيوخ القبائل في المنطقة يفتون بتحريم استقبال الأجانب الذين يأتون بحثا عن المغامرة، فكفروا كل من استقبل سائحا أجنبيا وإن كان بالفعل بعضهم مازال إلى حد الآن يسدل ستار باب خيمته في وجه أي سائح، ويخبر مرافقه المغربي بصرامة أن أهلا وسهلا به إن كان غير مرفوق بالسائح، وهم قلة من البدو الرحل، على عكس الآخرين الذين أصبحت السياحة الصحراوية قوت يومهم.
"بعد الاستقلال كان أي واحد يرافق سائحا ينعت في المنطقة بكلب النصارى، كما كان الناس يمتنعون في المنطقة عن مصافحة السياح الذين يأتون مزودين بتقنياتهم الخاصة للقيام بمغامرات داخل الصحراء" يقول مستمثر سياحي من المنطقة، ليضيف في جرد لتاريخ السياحة الصحراوية بالمنطقة، أن النظرة إلى السياح بدأت تتغير ابتداء من سنة 1970، قبل أن تتراجع مع ظهور جبهة بوليساريو، "لكن ابتداء من سنة 1987 بدأ السياح يتوافدون على زاكورة وإن تم ذلك بشكل محتشم بالمقارنة مع الفترة الحالية، وستتطور أكثر مع وضع أول خيمة سياحية بعرق ليهودي ما بين 1996 و1997، إذ بدأت المجموعات السياحية تزور المنطقة تباعا، خلاف التجارب السابقة، كما كان يفد أفراد يقومون برحلات تشوبها مغامرات من جانبهم، ولا يساعدهم أحد من البدو الرحل أو سكان المدن والقرى الصغيرة القريبة من المناطق السياحية.

تشغيل...
لم يتحول اهتمام أبناء المنطقة إلى السياحة الصحراوية بشكل جدي إلا في أواخر التسعينات، "لم يكن أحد بحاجة إلى ما تذره من مصروف، خاصة أن العائلات كانت تمنع أبناءها من مرافقة السياح مخافة أن يبتلوا بالتدخين وشرب الخمر، إذ كانت العائلات محافظة جدا ولا تقبل وجود ابن مدمن في البيت، خاصة أنه ثبت أن بعض السياح ساهموا في تشجيع بعض الشباب على التدخين والشرب ومنحوهم هدايا من السجائر والمشروبات الروحية" يضيف المصدر ذاته.
سنوات التهميش التي طالت المنطقة وصخرة الإهمال التي جثمت على كل فرصها لتسلب منها كل حركة ساهمت بدورها في ظهور حاجة ملحة لأبناء المنطقة إلى السياحة الصحراوية، "فكانت المبادرات باستغلال إبل آبائهم التي كسدت هي الأخرى في سوق الجمال، من أجل استخدامها في السياحة، ومنهم أيضا من جلب خياما وبدأ يستقبل سياحا على أطراف مدينة محاميد الغزلان، قبل أن تهجم شركات دخيلة على المنطقة وتغرس خيامها وتجهيزاتها في قلب الصحراء، ما كان يدعو إلى استخدام سيارات رباعية الدفع و"لاندروفيرات" بشكل عشوائي قضى على حيوانات الصحراء وعلى نباتات تنفرد بها المنطقة، كما ظهرت مزابل في قلب الكثبان الرملية، إذ عوض أن تزحف الرمال بفطرتها الطبيعية الصحراوية على كل ما يأتي في طريقها تراجعت إلى الوراء، وزحفت مكانها أكوام النفايات وأفواج شركات لا تحترم البيئة ولا يهمها إلا الربح السريع، فكنت تتعثر بقناني النبيذ وبنفايات الأكل وغيرها".

مراقبة...
ما قد يحتاج ياسر الزناكي، بصفته وزيرا للسياحة وصلاح الدين مزوار وزير الاقتصاد والمالية، هو زيارة واحات صحاري زاكورة للوقوف على حجم الضرائب التي تحرم منها خزينة الدولة وتهرب في السيارات رباعية الدفع وكذا نسب مبيت السياح الحقيقية التي لا تسجلها الفنادق، بما أن السياح يقصدون هذه المناطق غير المحصية والتي لا تشملها أي خريطة رسمية ويقضون عدة ليال هناك دون أن يخضعوا إلى إجراءات رسمية من تسجيل للأسماء وعدد ليالي المبيت ووثائق الهوية وغيرها، "هذا لم يشجع المتطفلين على القطاع على سرقة فرص أبناء المنطقة في التشغيل، إذ قضوا بإمكانيتهم على كل فرص الشباب الذين كانوا يستقبلون سياحا في محيط محاميد الغزلان وينظمون لهم رحلات إلى داخل الصحراء عبر مسالك تحترم البيئة الصحراوية، لا يستخدمون السيارات إلا عند الضرورة، لكن اليوم كل من هب ودب يحضر سياحا ويأخذهم إلى مناطق لا يفترض أن تدخلها السيارات كيفما كان نوعها، يمرون من كل مكان ويقضون على نباتات الصحراء رغم الظروف السيئة التي تنمو فيها الأخيرة.
لا تتوقف مشاكل السياحة الصحراوية في المنقطة عند حدود المتطفلين، بل أيضا يواجه ابناء المنطقة منافسة غير شريفة من أجانب لا يفيدون السياحة بأي جديد، بل يستفيدون أكثر، "نعرف مستثمرا باع شقته في باريس ودخل إلى المغرب مع زوجته واستثمر ثمن شقته في شراء خيام ويغرها من تجهيزات ليحطها في المنقطة السياحية، مستغلا علاقته بأصدقائه في الخارج لجلب سياح يأتون إليه مباشرة، وطبعا لا يؤدي الأجنبي أي ضرائب لأنه لا يصرح بكل شيء، مادامت مراقبة الداخل والخارج وعدد الليالي في قلب الصحراء لا تخضع إلى أي مراقبة، إضافة إلى أن كل ما يجنيه يهربه إلى بلاده، فمن استفاد إذن من هذا النوع من المستثمرين؟" يتساءل المصدر ذاته.

الشكاكة"...
طنين ذبابة يصبح كدوي مدفع. الأسرة تطل على بدر يبتسم للصحراء. عزف إيقاعات حسانية على قيثارة تستعصي على أنامل سائح فرنسي، لكنها تطوع في يدي مطرب محاميد الغزلان ابراهيم...، وفي عزفه يصبح الجاز والبلوز شقيقي الإيقاعات الحسانية. الخنافيس تشاكس بعضها وتحدث حركتها هسيسا على الرمال الذهبية. مثل هذا الجو هو ما يدفع السياح إلى السعي وراء "الشكاكة" إضافة إلى أجواء أخرى لا يمكن مقاومة سحرها، حتى وإن كانت الرحلة بدت لسائحين شابين فرنسيين مكلفة بعد أدائهما 350 أورو مقابل رحلة يومين من تافراوت إلى الشكاكة، فيما لم يكن مبلغ حوالي 1500 أورو مكلفا بالنسبة إلى سائح ياباني يبلغ من العمر 78 سنة، وأتى حاملا محفظة نقوده وآلة تصوير وحقيبة ملابس بحثا عن متعة التصوير في الشكاكة والمناطق المجاروة لها، وذاك ما يفسر استيقاظه قبل كل السياح للتمتع بفجر الشكاكة وشمسها وهي تأخذ حمام الصباح.
مثل هذه الرحلات قد لا تقدر بثمن بالنسبة إلى السياح، لكنها، حين تقع في أياد غير أمينة لا على السياحة ولا على السياح، فتلك المصيبة التي يدق ناقوس خطرها مستثمرون أفلسوا في المنطقة. مؤكدين أن على الدولة أن تنتبه إلى السياحة الصحراوية وأن تنظر إليها بعين الاهتمام، "هي مستقبل السياحة المغربية بكل تأكيد، على الدولة أن تنتبه إلى الواحات وأن تنظمها وتراقبها".
المراقبة لا تعني فقط المكان الذي قد تدخله ولا تخرج منه دون أن يثير ذلك قلق أي مسؤول، لكنها تعني أيضا نوعية المرشدين الذي يرافقون السياح أو بالأحرى يهربونهم من الفنادق إلى الواحات دون تنسيق مع الشركات المنظمة للقطاع، إذ ينفرد بعضهم بسياح ويبتزونهم مقابل مرافقتهم إلى مناطق لم يرها أحد من قبل، ومنهم من يخالف كل القواعد المعمول بها في هذا المجال من أجل الربح.
سياحة ودين
في يوم دراسي سابق حول السياحة الصحراوية نظمته جمعية الزايلة بشراكة مع السفارة البولونية وعمالة زاكورة حث المتدخلون السياح ومهنيي القطاع على ضرورة سلك المسالك المعبدة، لأن عكس ذلك، حسب توصيات اللقاء الذي أخذ شعار «محافظة..حماية..استمتاع»، يهدد نباتات وحيوانات الصحراء، كما نبه المتدخلون السياح إلى أن سائقيهم من المرشدين قد يرغبون في إظهار جمال بلادهم عبر الخروج من هذه المسالك، لكنه يدمر الغطاء النباتي إرضاء لسياحه، كما حث المتدخلون السياح على عدم مراقبة حيوانات الصحراء بشكل مبالغ فيه، لأن ذلك يغير تصرفاتها الطبيعية ويزعجها ما يجعلها تهجر المنطقة. ومن المشاكل الأخرى التي أثارها اللقاء نظافة الصحراء وإعداد أكل بطريقة تقليدية يتطلب إشعال نار وخشب ما يؤدي إلى تقليص عدد الأشجار في المنطقة.
ندرة الماء واحد من أهم المشاكل التي طرحها اللقاء للنقاش، ليدعو السياح إلى ضرورة استخدامه بعقلانية عند الاستحمام.
الثقافة والدين واحد من المحاور التي شدت انتباه المتدخلين، إذ اعتبر اللقاء أن النظام الاجتماعي لسكان الصحراء معمول به منذ آلاف السنين، لذلك دعا السياح إلى عدم محاولة إقناع السكان بأن معاييرهم هي الأفضل، داعين إياهم إلى احترام ثقافة ودين السكان في المنطقة مع مراعاة ارتداء ملابس غير صادمة بالنسبة إلى أبناء المناطق الصحراوية المحافظة.

إنجاز: ضحى زين الدين