حرب الألوان

عبد الإله مسلك- صحافي مغربي مقيم في دبي

تناولت بعض الأعمال الفنية والدرامية موضوع الصراع التقليدي بين الغريمين التقليديين الوداد والرجاء البيضاويين من زاوية دق طبول التذكيرأن هناك صراعا محموما على من يتربع على عرش المدينة البيضاء ومن ينجح في غزو أحياءها وأزقتها بلونه سواء الأحمرالودادي أوالأخضرالرجاوي لكن فيلم كازانيغرا أعطى المدينة لونا أسود في اشارة لواقع سيء يعيشه أبناء المدينة ، فمخرج الفيلم نورالدين لخماري صورمشاهد تلميحية لشخصية مافيا المراهنات محسوبة على أحد فرق العاصمة الاقتصادية للمغرب تفضل حانة تملكها صديقته وتصيح بهتافات وشعارات الفريق مما أثارالسؤال هل تلك الشخصية تسيء فعلا للنادي ؟ وتخص جمهور فريق دون اخر بالعنف والسب والقسوة وظهرأيضا في الفيلم مشهد لمشجعي الفريق نفسه في ذات سياق لغة الشتائم والسباب ما قد يفسرأن سوء الخلق مرتبط بأنصار ناد دون الآخروخلف فيلم كازانيغرا جدلا كبيرا في المغرب على اعتبارأن الكلمات النابية التي تم تداولها في حوارات الفيلم لا ترقى لمستوى عمل فني … فالفن – كما يقال – عمل راقي لا يصح مزجه بالانحطاط والتدني و لو أن قصة الفيلم عادية جدا، تعبرعن متناقضات الواقع الاجتماعي في المغرب عموما، وفي مدينة الدارالبيضاء على الخصوص، والفيلم يسرد حكاية مجموعة من الشباب المغاربي الذي يتطلع لعيش أفضل لا أقل ولا أكثر، أما نجاح المخرج في سحب الجمهورالمغربي الى دورالسينما لمتابعة الفيلم، بدلاً من اقتناء النسخ المقرصنة المنتشرة هنا وهناك، فيحسب لطريقة الاخراج واللقطات والمشاهد الجميلة التي صورت فيها القصة وكذلك لتسلسل الأحداث في قالب تشويقي وعرف الفيلم انتقادات كثيرة للغة الدرامية المستعملة في الفيلم كون السينما فن لا يجوزاستعمال الحوارالرديء للتعبيرعن واقع كيفما كان سوؤه ، خصوصا أن المخاطب شعب له جذورعربية واسلامية وأن ما لايستطيع أن يسمعه ويراه المشاهد مع أفراد عائلته ، فهو في الغالب مرفوض مما دفع بالتيارالمحافظ في المغرب بمعاتبة المخرج على اللغة الدرامية المتداولة في الفيلم.

واذا كان كازانيغرا قد عرض في دورالسينما العربية والدولية وحازجوائز كثيرة فهناك عمل فني آخرخلق ضجة اعلامية قبل أن يرالنورولازال في مهد اعداد ، بدعوى أنه يشن حربا على الأخضرالرجاوي على حساب غريمه الأحمر الودادي مما دفع بمخرجة الفيلم جيهان البحار وكاتب السيناريو جمال الخنوسي لتغييرعنوان الفيلم لتفادي غضب الجمهورالأخضر الممتعض والمعترض على تسمية بطل الفيلم باسم “زكي” في اشارة لمدرب وحارس للوداد السابق بادو الزاكي، واستنكربعض محبي الرجاء أن يكون زكي رجلا و”رجاء” أمرأة كاشارة للضغف فيما ذهب طاقم فيلم “رجاء وزكي” الى القول إن أحداث الفيلم كوميدية صرفة تهدف إلى محاربة التعصب للفريقين ما يقف حاجزا أمام سعادة البطلين، وفسرالطاقم أيضا أن اختياراسم البطلة “رجاء” ليس إهانة للفريق الأخضر، لأنه لا فرق بين المرأة والرجل وأن الهدف من الفيلم تجسيد قيم الحب الرومانسي الذي يجمع بين رجاء وزكي وبالتالي نقد كل التعصب للفرق والألوان الذي أصبح يميز شريحة كبيرة من محبي الغريمين الوداد والرجاء على حساب الروح الرياضية.

ويبدوأن حرب الألوان لا تشمل الأعمال الدرامية فقط بل امتدت حتى البرامج التلفوينية فالقناة الثانية خصصت حلقة خاصة من برنامج الوجه الآخرللديربي الأول عربيا بين الرجاء والوداد تم تسليط الضوء فيه على المآسي التي يخلفها التعصب لأحد الفريقين تذهب الى حد الموت بين السكتات القلبية حينا وبين الطعنات بالسكاكين حينا آخر، ولم تسلم بعض قنوات الشركة الوطنية للراديو والتلفزة من الاتهامات بمجاملة ومحاباة هذا النادي أو ذاك في تفسيرخاطيء للأسئلة التي يطرحها المذيع على ضيوف برنامجه فهناك من يتهم هذه القناة أنها محسوبة على هذا الفريق كونها تستضيف رياضيين وفنانين ومحللين يعتبرون من أنصار أحد الغريمين وهناك من فسح مجال خياله الى تفسيرلون اللباس الذي يرتديه مقدمو البرامج على أنه انتماء، وبات أغلب المذيعين يتحاشون ارتداء أحد اللونين مخافة شن حرب النقد عليهم والبطش بهم.

تعيش مدينة الدار البيضاء يوم مباراة الوداد والرجاء حالة طوارئ بسبب ديربي الإخوة الأعداء وما أن تبزغ شمس يوم اللقاء حتي تبدأ حرب اللوحات الفنية التي يصنعها جمهورالفريقين في شوارع المدينة التي تعيش أهازيج حماسية للمشجعين، أما في مدرجات ملعب مركب محمد الخامس فحرب ثانية تشتعل نيرانها وتحرق من يجلس في المكان الخطأ بين جنبات أنصارالفريق الآخر، وتزداد ضراوة الحرب بين مختلف شرائح المجتمع من نساء، شيوخ وأطفال في التفنن والابداع في الأغاني والشعارات التي تمتد أحيان الى نكت وسخرية من محبي هذا الفريق على حساب الآخرلتصل الى العنف الجسدي.

كلما اصطدم اللونان الأحمر والأخضرتوضع قوات الأمن والشرطة في حالة استنفارقصوى، في المحيط والشوارع المؤدية للملعب تأهبا لحدوث أي انفلات غيرمحمود العواقب، جراء الحساسية المفرطة بين جمهورالفريقين العريقين، ويجبر- مكرهين -أصحاب المحلات التجارية والمقاهي المجاورة للملعب على غلقها يوم مبارة الرجاء والوداد خوفا من تعرضها للتخريب، في ظل الحضورالغفيرالذي تعرفه مبارة الديربي ، والتي غالبا ما يكون مستواها الفني ضعيفا، بل من سكان المنطقة المحادية للملعب من يبعد سيارته الى مكان بعيد آمن ومنهم من يخلي بيته طيلة يوم المباراة خوفا من تكسيرأبواب البيوت وزجاج النوافذ ويعود اليه عندما تحط حرب الديربي أوزارها وتهدأ عاصفة الأنصارالذين خذلتهم نتيجة المباراة، وما يزيد من صعوبة السيطرة على الوضع كون الملعب يوجد في قلب مدينة الدارالبضاء وغالبا ما تنتهي التصرفات الطائشة بتكسير الحافلات والممتلكات واقتياد محبي الفريق الخاسر الى مراكز الشرطة.

حرب الألوان هذه أصبحت تعشش في يوميات سكان مدينة الدارالبيضاء اذ انقسمت الأحياء بين مناصري الرجاء والوداد وتحولت الى معقل هذا النادي أو ذاك بل امتد ذلك لاطلاق اسمي الفريقين على حيين متلاصقين في منطقة الحي الحسني، حي تزين جدرانه ألوان النسرالجارح الأخضر وآخربرسومات فدائيي وداد الأمة – كما يحلولأنصارالفريقين تسميتهما- وما يثير الدهشة والغرابة هلع بعض العائلات من تسمية مولودها الجديد باسم أحد الغريمين مخافة ذحل جمهورالفريق الثاني.

الصراع الأبدي بين الرجاء الأخضر والوداد الأحمر ينسي البعض أن كلي الأنصار يعيشون شظف العيش في مدينة واحدة وأن الاختلاف شيء ايجابي لا يعني التعصب للون والانتماء واقصاء الآخر،وفي أبجديات الرياضة أن هناك خاسرورابح، وأن الأسمى أن يمثل أحد الفريقين بلاده ومدينته أحسن تمثيل في المنافسات الافريقية والعربية لا أن تكون نتيجة مباراة الديربي نهاية المطاف.

شكرا لك على الاخبار

فيفا الرجاء العالمي .............

__________________

لا تيق لا تيق حتى تفرز لعدو من الصديق