عرض مشاركة واحدة
رانا
موقوف
المشاركات: 3,303
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: في هذه الحياة
رانا غير متواجد حالياً  
قديم 2012-11-01, 03:42 AM
 
رد: ألف ليلة وليلة ...وقفات

الجزء الثاني

ليس كل الحكايات منسوجة من ذاكرة شهرزاد من بنات أفكارها،
بل كانت تقتبس بعض الأفكار من الخدم الذين تجالسهم،
ولاسيما بواب زنجي اسود "عرفان"، كان الملك قد عينه لحراسة باب غرفة نومها الذي كان يتجاوب معها، ويفتح لها الباب بين الحين والأخر، إذ كان قلبه يلين مثل سيده في بعض الأحيان،
ويضعف أمام النساء الجميلات وباهرات الفتنة مثل شهرزاد، جميلات قصور الملك، وأجمل نساء المملكة.
وكانت شهرزاد تبوح له بكل ما يجول في خاطرها من أفكار،
إذ كانت مشكلتها الوحيدة هو العثور والوقوف على حكاية جميلة مُسلية ٌينسي الملك همومه، وينسيه قضية الخيانة،
فكانت تستمع إلى البواب وتنصت إليه جيدا، إذ كان البواب ذكيا جدا، ولا بقا في الكلام، ويعرف الكثير عن بغداد،
وكان الملك قد خصه بحراسة أبواب جواريه أثناء غزواته لفتح البلدان، والمماليك وضمها إلى مملكته،
فكان هذا البواب يجالس نساء الملك، ويسمع منهن الحكايات والقصص فتكوّن عنده بمرور الزمن-
مجموعة قيمة منها وكانت له قدرة كبيرة على صياغة الحكايات، ونسجها من مخيلته أيضا،
وشهرزاد كانت تأخذ منه، وتعطيه أيضا، لكي لا يشعر بأنها واقعة في مأزق، وتحاول التخلص منه،
فيبدأ بابتزازها والوشاية بها إلى الملك، فكانت تقتبس بعض الحكايات والتي كانت تعجز عن نسجها من مخيلتها.
ويحكى أن شهرزاد كانت قد نوت في ليلة من ليالي الإنس على قص حكاية حزينة للملك تكون حكاية حقيقية ليست من نسج الخيال، وليست مقتبسة من حكايات البواب "عرفان"، بل تحكي له عن الدمار والخراب الذي سيلحق ببغداد على أيدي بعض من الرعيّة، فبغداد جميلة، وتسّر النظر، ويهيم بها كل من دخلها وغادرها، وستصيب بغداد وتنالها (العيون) بالحسد، لذا فإنها ستطلب من الملك أن يعلّق في أبوابها (فردة نعال)، وبعض الحرز،
ويحسن الملك اختيار حراّس أبوابها، وأسوارها -من خيرة الرجال، ويختار الملك لكل جندي باسل- جارية من الجواري تعمل على تنشيط قلبه وذهنه كي لا يترك البوابة دون حراسة،
وان يمنح من الأجازات وقتا كافيا، يقضي فيه حاجته من المتع والأنس.
كانت شهرزاد قد نوت "فعلا" أن تحكي عن محن بغداد في سالف الدهر والأوان، وقالت: سأحكي له أن لكل عصر مغول، وما حدث لبغداد في فترة احتلال المغول الأولى، سيتكرر في عصر أخر،
وابن العلقمي الذي قتله المغول بعد الاكتفاء من عمالته وخيانته لبغداد، بتسليمه لمفاتيحها، سيظهر له حفيد، بل أحفاد في عصر أخر، وسيقدمون بغداد ذبيحة مرة أخرى للمغول على طبق من ذهب.
كانت شهرزاد قد نوت وعزمت أن تحكي للملك عن اجتياح المغول لبغداد في فترة أخرى لكن البواب عرفان توسّل بها، وأقنعها أن تعدل عن رأيها،
لأنه اعتاد إن يحرس بوابتها، واعتاد على رؤية وجهها الصبوح كل يوم، ولن يستطع أن يفارق ضحكتها، فالملك إذ سمع حكاية لا تسر عن بغداد، فربما سيهم بقتلها، وقتل كل نساء بغداد حتى وأن هام حبا بهّن،
لكن شهرزاد رفضت، وأصرّت أن تحكي، لأن ضميرها يؤنبها، ولم تعد قادرة على حجب الحقيقة عن الملك، وتمضي في خداعه فترة طويلة، ولاسيما إنها تعشق بغداد وتخاف عليه من المغول والتتار..