عرض مشاركة واحدة
رانا
موقوف
المشاركات: 3,303
تاريخ التسجيل: Sep 2012
الدولة: في هذه الحياة
رانا غير متواجد حالياً  
قديم 2012-11-01, 09:59 AM
 
رد: ألف ليلة وليلة ...وقفات

ا
القصة اتخذت جوانب كثيرة في طريقة السرد
وقفات للتأمل

ماذا فعل شهريار حينما اكتشف جريمة زوجته؟
لقد عاقب المجرمين: قتل زوجته وخادمه.
بل لم تتوقف رغبته في القتل عند هذا الحد: سيلازم لياليه.
كما سيأمر وزيره، بأن يقتاد له عند كل صبيحة عذراء يتزوجها ويقترن بها ليلا.
لكن مع الفجر، يقودها إلى الجلاد لينفذ فيها حكم الإعدام: «هكذا سيتواصل الأمر إلى غاية إبادة جميع الفتيات. كل الأمهات تبكين، فتصاعد الضجيج بين الآباء والأمهات...».
نعاين إذن، منذ بداية «ألف ليلة وليلة»، التشابك المعقد بين العنف الجنسي والسياسي.
ما بدأ قبل ذلك، كحرب بين الأجناس تطور نحو عصيان سياسي ضد الحاكم من قبل الآباء الحزينين على بناتهم.
لم تبق الآن، إلا عائلة وحيدة في مملكة شهريار تضم فتيات عذراوات.
إنها عائلة الوزير الذي كان مكلفا بعمليات القتل،
وهو أب لفتاتين تسمى الواحدة شهرزاد والثانية دنيا زاد،
لم تصل شهرزاد إلى قصر شهريار إلا سنوات بعد حادث الحديقة.
كان أبوها يرفض التضحية بها،
لكن شهرزاد ألحت على مواجهة الملك: «أبي، مخاطبة الوزير المنهار، أريد الزواج من الملك شهريار، إما أنجح في تخليص شعبي أو أموت...».
تحت هذه اليافطة، تمثل الفتاة الشابة التي تسكن خيال الفنانين والمفكرين المسلمين كما سنرى بعد ذلك، وجها للمقاومة والبطولة السياسية. لا تسير شهرزاد بسذاجة نحو الموت، بل لها استراتيجية وتتوفر على برنامج مصمم جيدا. محادثة الملك، إلى غاية أن تتملكه، بحي
ث لا يمكنه التخلي عنها وكذا صوتها.
صار المخطط كما توقعته ثم حافظت شهرزاد على حياتها.
تقويم اندفاعات المجرم المتهيئ لقتلك،
وأنت تروي له حكايات، يعتبر انتصارا هائلا. لكي تنجح شهرزاد يجب أن تضع على التوالي ثلاث استراتيجيات ناجحة.
أولا، معارفها الواسعة،
ثانيا، موهبتها في خلق التشويق بطريقة تشد معها انتباه القاتل.
ثالثا، برودة دمها بحيث تسيطر على الموقف بالرغم من الخوف.
الامتياز الأول، ذو طبيعة ذهنية: تلقت شهرزاد تربية أميرية، تجلت ثقافتها الموسوعية منذ الصفحات الأولى من الكتاب: «قرأت شهرزاد مؤلفات في الأدب والفلسفة والطب. لا تنطوي القصيدة بالنسبة إليها على أسرار، فقد درست النصوص التاريخية وبإمكانها الاستشهاد بالوقائع المثيرة للأوطان الغابرة والحكي عن أسا الملوك القدامى.
كانت شهرزاد ذكية عالمة، حكيمة ومهذبة. قرأت وتعلمت كثيرا».
لكن العلم وحده غير كاف لإعطاء المرأة سلطة على الرجل: ا
نظروا إلى هؤلاء الباحثات المعاصرات عندنا،
إنهن متعددات ولامعات سواء في المشرق أو المغرب: لكنهن عاجزات عن تغيير غرائز الموت عند شهريار العصر الحالي...
من هنا فائدة القيام بتحليل يقظ، للكيفية التي خططت بها شهرزاد لنجاحاتها.
الامتياز الثاني لبطلتنا يحمل طبيعة نفسية،
فهي تتقن اختيار كلماتها لكي تؤثر في أقصى عمق فكر المجرم.
إن التسلح بوسيلة وحيدة مثل الكلام للدخول في صراع مميت، يمثل اختيارا ينطوي على جرأة نادرة.
إذا كان هناك من حظ للضحية كي ينتصر،
فمن اللازم بالنسبة إليه فهم دوافع المهاجم واكتشاف قصدياته ثم إبطال الهجومات بالحدس
كما هو الحال مع لعبة الشطرنج.
الاختيار الذي سلكته شهرزاد أكثر صعوبة، بحيث يبقى أولا، الملك العدو صامتا. على امتداد ستة أشهر الأولى، اكتفى بالاستماع إلى ضحيته دون النطق بأية كلمة.
أما شهرزاد فلا يمكنها حدس مشاعره إلا بناء على إيماءات وجهه وجسده.
كيف يمكن لها، في إطار هاته الشروط، أن تعثر على الشجاعة لمواصلة الحكي وحدها طيلة الليل؟
كيف تتجنب الخطأ النفسي والخطوة الخاطئة القاتلة؟
لذلك، مثل صاحب مخطط يستخدم معارفه في أفق توقع ردود فعل الخصم وتمثل تكتيكاته.
كان، من الضروري بالنسبة إلى شهرزاد أن تكتشف باستمرار ما يدور في فكر شهريار،
تبين ما سيحدث بعد ذلك بدقة كبيرة، فأبسط خطأ يعتبر مميتا.
أيضا، يفضي الامتياز الأخير للمناضلة الشابة على الأقل،
الاحتفاظ بوضوح الأفكار ومواصلة اللعبة عوض الخضوع للخصم.
ستنقذ شهرزاد إذن ذاتها اعتمادا على ذكائها وخاصياتها الدماغية التي تتميز بقوة هائلة على التخطيط.
الكاتبة
فاطمة المرنيسي