الموضوع: .. حَكَاوِي ..
عرض مشاركة واحدة
.. ضَوْءْ ..
مزعوط خبير
المشاركات: 1,693
تاريخ التسجيل: Dec 2012
الدولة: .. المَغْربْ المَعْشُوق ..
العمر: 39
.. ضَوْءْ .. غير متواجد حالياً  
قديم 2013-12-09, 02:57 PM
 






كَانَ حَاكم منْ حُكمَاء اليُونَان القَدِيمَة يُحبّ زَوْجَتَهُ حُبّاً مَلَك عَلَيه قَلْبَه وَعَقْلَه
ومِنْ شدّة تعلّقهِ بهَا كَانَ يَخْشَى بَعْدَ موْته أنْ تَعْشَقَ غَيْرَه
وكَانَ كُلّمَا أضهَرَهَا علَى سرّه وَشَكَى إلَيْهَا مَا يُسَاوِرُ قَلْبَه مِنْ ذَلِكَ الهَمّ ، حنت عَلَيه وَأقْسَمَت لَهُ بِكُلّ الْايْمَان بِأنّهَا لَا ولَنْ تسْترِدّ هبَة قَلْبِهَا مِنْهُ حيّاً كَانَ أو مَيّتاً
فَكَانَ يَسْكُنُ إلَى ذَلِكَ الوَعْد سُكُونَ الجرْح تَحْتَ المَاء البَارِد
تُمّ لَا يَلْبث أنْ تَعُودَ عَلَيْه هَوَاجِسُه

وَفِي لَيْلَةٍ منَ اللّيَالِي المُقمِرَة وَبَيْنَمَا كَانَ يَمُرّ بِالقُرْبِ منْ مَقْبَرَة المَدِينَة
لَمَحَ إمرَأة تَجْلِسُ بِجَانِبِ قَبْر لَم يَجِفّ تُرَابُه بَعد
وَبِيَدِهَا مِرْوَحَة تُحرّكُهَا يَمِيناً وَيَسَاراً لِتُجفّفَ بِهَا بَلَلَ ذلِكَ التّرَاب
فَعَجبَ لِشَأنِهَا وَسَألَهَا مَاذَا تَفْعَل ؟!
فَأجَابَتهُ أنّ هذَا المَدْفُون يكُون زَوْجُهَا وأنّهَا أقسَمَت لَهُ بِأنّهَا لَن تَتَزوّجَ حتّى يجِفّ قَبْرُه
وأنّهَا مُسْتعْجِلَة كَيْ يجِفّ القَبْر بِسَبَبِ وُجُود عرِيسٍ يَنْتظِرُهَا
ومِنْ ثمّ أعطَتْهُ المِرْوَحَة هَديّة بَعْدَ أنْ عَرَفَتْ أنّهُ الحَاكِم
وَأخَدَهَا فِي وَقْتِ ذُهُولٍ مِنْهُ ..
ومَا زَالَ كَذَلِكَ حتّى عَادَ إلَى مَنْزِلِه وَرَأتْهُ زَوْجَتُه وهُوَ مَذهُول وَبِيَدِهِ المرْوَحَة
فَسَألَتْه وَقصّ لَهَا القِصّة
فَأخَدَتْ منْهُ المرْوَحَة وَمَزّقَتْهَا ومَازَالَت تَلْعَنُ وتَشْتُمُ تِلْكَ المَرْأة
وَإفهَامِه بِأنّ النّسَاء لَسْنَ كَبَعض وأنّ هذِه المرْأة نَادِرَة فِي النّسَاء ..
تُمّ سَألتْهُ .. هَلْ مَا زِلْتَ تَخَافُ أنْ أتزوّجَ منْ بَعدِك ؟!
فَقَالَ : نَعَم
فَأقسَمَتْ لَهُ مُجدّداً بأغلَظ الْايمَان أنّهَا لَنْ تَفْعَلَهَا
فاطْمَئنّ لهَا وعَادَ إلَيْه سُكُونُه

مَضَى علَى ذلِكَ عَام
ثمّ مرضَ الحَاكم مرضاً شدِيداً حتّى أشرَفَ علَى الموْت
فَدَعَى زَوْجَتَهُ إلَيْه وَذكّرَهَا بمَا عَاهَدَته عَلَيْه ..
فَأعَادَت العَهد
فمَا غربَت شَمسُ ذلِكَ اليَوم حتّى غربَت شَمسُه
فَأمَرَت زوْجته أن يَبْقَى فِي مَقصُورَته حتّى اليَوم التّالِي لحضُور الحَاكم وإقَامَة جنَازَة تلِيقُ به
ثُمّ خَلَتْ بنَفْسِهَا فِي غُرْفَتهَا تَبْكِيه وتَندُبُه مَا شَاء الله أن تَفعَل
وَبَيْنَمَا هيَ كذَلِك إذ دخَلَت علَيْهَا الخَادِمَة وأخبَرَتْهَا أنّ فَتَى منْ تَلَامذَة الحَاكم بِالبَاب يُرِيدُ زيَارَة الحَاكِم إذ سَمعَ أنّهُ مرِيض
فَلمّا أخبَرتُهُ بوفَاته خرّ صرِيعاً وأنّهُ لَا يَزَالُ كَذلِك عنْدَ بَاب المنزِل
ولَا تدْرِي مَاذَا تفْعَلُ به
فَأمرَتْهَا أنْ تُدخلَه غُرفَة الضّيُوف وَتَتَوَلّى شَأنَهُ حتّى يَفِيق
فَلمّا إنتَصَفَ اللّيل دخَلَت علَيْهَا الخَادِمَة مرّة أخرَى مَذعُورَة وهيَ تقُول : سيّدتِي أظنّ ضَيْفَنَا يُفَارِقُ الحيَاة ولَا أدرِي مّاذَا أفعَل
فَأهمّهَا الْأمر وذهَبَت إلَى غُرفَة الضّيف ، فَرَأتهُ عنْدَ السّرِير والمصْبَاحُ فوقَ رَأسه
وحِينمَا إقترَبَت منْهُ رَأت أجمَلَ شَاب علَى وجْه البَسِيطَة حتّى خُيّلَ إلَيْهَا أنّ المصبَاح يُنِيرُ منْ وَجهه
وحتّى أنِينُه كَان كَأنهُ نغمَات مُوسِيقيّة مُحزِنَة
فَسَألتهُ عن حَالِه فَأجَابَهَا بِأنّهُ يَرَى الموْتَ قرِيباً منه
فَقَالت لهُ أنَا فَقَدتُ زوجِي وأنتَ فَقَدتَ حَاكمَك الذِي تُحبّه فَهَلْ تكُونُ لِي عوناً وأكُونُ لَكَ عوناً
فَألم بخيْبَة نفسِهَا وقَال .. ولكِن كيْف وأنَا بهذَا المرَض
فَقَالَت : سَأعَالِجُكَ لوْ كَان دَوَاءكَ بيْن سحرِي ونحْرِي
فَقَال : لَن تسْتطِيعِي ذلك فَدوَائِي مُستحِيل
قَالَت : ومَا هُو ؟
قَال : لمْ أترُك طبِيباً لمْ أزُره وتوصّلُوا بِالْإجمَاع أنّ عِلَاجِي أكلُ دمَاغ ميّت ليَومه
فَقَالَت : لَن يُعجزَنِي دوَاءك فاصبِر حتّى أعُود
فَذَهبَت إلَى مقصُورَة زوجِهَا وتقدّمَت وهيَ ترْتعِد إلَى جثته وَرَفَعَت الفَأسَ لتَضرِبَ رَأسَهُ بهَا
وكَانَت المُفَاجئة حِينَ أمسَكَ بيَدهَا زوْجُهَا إذ أنّهُ لمْ يَمُت أصلًا
وإذَا بالضّيْف والخَادِمَة يَقفُونَ خَلْفَهَا يَضحكَان
وهُنَا تقدّمَ إلَيْهَا زوْجُهَا
وقَال لهَا :
ألَم تَكُن المرْوحَة فِي يَد تلْكَ المرْأة أجمَلَ منْ هذَا الفَأس فِي يدكِ
وأيّهمَا أصعَبْ تجفِيفُ القَبْر أم كَسْرُ الرّأس ؟!
فَسَقَطَت سَقطَة لَم تَقُم مِنهَا

رد مع اقتباس