سيدي اوراق نادرة اسجل اعجابي بكلامك وذوقك ومداخلتك القيمة
لنعد الى قصة الف ليلة وليلة
بعد تحليل شخصية كل من شهرزاد وشهريار
يمكن نكتشف اشياء جميلة
بغض النظر عن كون القصة ثراثية او ليست حقيقية بغض النظر عن كل شيء لكن تبقى مهمة لنا لاكتشاف امور كثيرة بكل التقاصيل
من خلال بحثي استفت كثيرا من المغزى الذي يمكناستخلاصه لكن الان سادرج تحليل لشخصية شهرزاد
مقالات الباحثون
أسيرة الليل - ندى الجندي

أسيرة الليل
"شهرزاد ودورها في إحياء السلام"
(تحليل نفسي لقصة ألف ليلة وليلة)
ندى الجندي
أسيرة الليل وأي ليل كليل الملك شهريار.. ليلٌ النساء سجينات به ينتظرن مع بزوغ الفجر قراراً يقضي بحتفهن، قرار ملك جائر.. حتى جاءت شهرزاد أسيرة الليل.. ليل مظلم فصار هو سجين حكاياتها صار سجين ألف ليلة وليلة.. فماذا كان يدور في ليل شهرزاد..؟
قصة ألف ليلة وليلة لطالما ترددت أصداؤها على مسامعنا وتشوقنا للحديث عن حكاياتها بما تحمله من خيال ممتع ينصب في رؤية عميقة للحياة ولكن لم يخطر على بالنا أن نتساءل ما الذي دفع بشهريار إلى هذا السلوك العدواني..؟
القصة تروى باختصار:
حكاية الملك شهريار ملك من ملوك ساسان حكم البلاد بالعدل وقد أحبه الناس، كان أخوه الصغير اسمه الملك شاه زمان ملك سمرقند، وبعد عشرين عاماً اشتاق شهريار إلى أخيه فأرسل في طلبه فغادر شاه زمان مملكته طالباً أخاه فلما حلّ الليل تذكر حاجة نسيها في قصره فرجع وعندما دخل قصره فوجئ بزوجته تخونه مع عبد أسود فسلّ سيفه وقتلهما وغادر البلاد إلى أخيه.. استقبله الملك شهريار أشد استقبال ولكنه لاحظ بأن أخاه شاه زمان حزين، شاحب الوجه فعرض عليه أن يذهب معه في رحلة للصيد فأبى شاه زمان، فسافر شهريار وحده وبقي شاه زمان في القصر وكان في قصر الملك شبابيك تطل على بستان أخيه وإذا بباب القصر قد فُتح وخرج منه جوارٍ وعبيد وامرأة أخيه تمشي بينهم وإذا بها تعانق عبداً أسود وكذلك فعل باقي العبيد بالجواري فلما رأى أخو الملك ذلك قال: والله إن بليّتي أخفّ من هذا البلاء وعاد إلى الأكل والشرب وبعدها عاد أخوه الملك شهريار من السفر فوجد أخاه يأكل بشهية وعادت له صحته فقال له شاه زمان اجعل أنك مسافر للصيد والقنص واختفِ عندي ففعل ذلك شهريار حيث خرج متخفياً إلى القصر الذي فيه أخوه وجلس إلى الشباك المطل على البستان وإذا بزوجته تخونه مع أحد العبيد فلما رأى ذلك طار عقله وقتل زوجته وجميع الجواري والعبيد..
هذه هي قصة شهريار فلنبدأ بتحليل هذه الشخصية
الملك شهريار تعرض لصدمة نفسية شديدة عندما رأى زوجته تخونه مع أحد العبيد و(قصة مشابهة تكررت من قبل مع أخيه) هذه الصدمة سببت له جرحاً عميقاً أفقدته الثقة بجميع النساء، أفقدته الثقة بنفسه.. أفقدته الشعور بالأمان الداخلي.. أفقدته الحب..
هذا الواقع المؤلم الذي مرّ به شهريار، صار كابوساً ماثلاً في مخيلته فإذا كان النسيان جزءاً من عمل الذاكرة فإنه في حالة الصدمة النفسية الشديدة يتوقف عمل الذاكرة ويحدث تثبيت لهذه الصدمة فهو يعيش دائماً مرارة الماضي برائحته.. بلونه الأسود بتفاصيله.. بكل ما يحمل في طياته من آلام وإذا كان أحد قوانين الحياة أن لكل فعل ردة فعل فماذا كان رد فعل هذا الألم في نفس شهريار؟ هذا الألم أنتج الغضب فعاطفة الحب تحولت إلى نقيضها، إلى كره مدمّر ففي كل صباح يتزوج من عذراء وفي الصباح يقتلها بعد أن فضّ بكارتها وبالتالي لا يترك المجال لأي امرأة أن تخونه، كل صباح يقتل امرأة وكأنما يقتل فيها زوجته وحبه الذي خانه.. دخل شهريار في دوامة الانتقام، هذه العاطفة المتأججة التي تحرق كلّ من حولها تسيطر على الإنسان المجروح الفاقد للحب والفاقد للشعور بالأمان الداخلي، طاقة بدلاً من أن تتجه إلى الحياة تتوجه إلى التدمير، تحول شهريار إلى رجل مجرم، والمرأة صارت بالنسبة إليه مجرد أداة لإرضاء غريزته والحب تحول إلى محاولة للإخضاع، وليستمر في العيش مع آلامه، طوّر عادةً أو صارت لديه حالة من اللامبالاة النفسية فصار إنساناً بارداً عديم الإحساس بالآخرين.. كل صباح يقتل امرأة حتى لم يبق في المملكة إلا ابنة الوزير شهرزاد.
شهرزاد هي التي طلبت من أبيها أن تكون زوجة شهريار، أقدمت على هذا التحدي رغم أنه ربما يكون فيه حتفها قائلة لأبيها: "إما أن أموت فداء لجميع النساء أو أقتل الشرّ في نفس شهريار".
فإذاً كانت هي المبادرة.. ومن يمتلك المبادرة لابدّ منه أن ينتصر.
أدركت شهرزاد أنه لا يُحلّ السلام في المملكة إلاّ إذا تم عبر قلب شهريار فماذا فعلت؟
من هي شهرزاد.. وكيف كان ليلها؟
شهرزاد امرأة جميلة.. ذكية تتمتع بقوة حدسها وبالدهاء، فهي مثقفة جداً قرأت العديد من الكتب القديمة وحفظت عن ظهر قلب الحكايا والأساطير وهذه ظاهرة نادرة للمرأة في ذلك العصر..
كيف ساعدت شهرزاد في علاج شهريار؟ إذا تحدثنا بلغة العلاج النفسي فهي قد وضعت خطة علاج ذكية لإنقاذها وإنقاذ فتيات عصرها، الإطار كان الليل.. نعم العلاج كان ليلاً، لماذا الليل؟ الليل وسكينته، هدوء الليل وما يبعث في أفقه من مساحات للتأمل.. الليل وقت العلاقة الحميمة وضروب الحب بين الرجل وزوجته، اختارت الليل أولاً، وثانياً اختارت القصص هذه القصص التي كانت ترويها كرسائل غير مباشرة، هل كانت ترويها للملك كيف لها أن توجه الكلام بشكل مباشر إلى سلطان جائر، فكانت توجه الكلام إلى أختها الصغيرة التي كانت تتسلل إلى غرفتها.. تروي القصة وليس أية قصة.. قصة مثيرة وصوت شغوف حملت الملك شهريار على الاستماع، وهنا تكمن قوة هذه القصص إنها رسائل غير مباشرة فالإنسان "غالباً لا يحب أن يتوجه إليه الكلام مباشرة" خوفاً من إطلاق الأحكام عليه.. إذاً الملك شهريار غير معني مباشرة بهذه القصص ولكنه كان يستمع.. يستمع إلى العبر والأحكام الأخلاقية ويستمع إلى قصص مشابهة لقصته فهو ليس الوحيد الذي عانى مرارة الخديعة.. قصص يجد من خلالها الإجابة عن الكثير من الأسئلة التي تجوب في خاطره.. قصص مثيرة ولكن لا تكتمل بل تتوقف شهرزاد عن الكلام المباح عندما يدركها الصباح تتوقف عن رواية القصة بموضع تستثير مخيلة ونفس شهريار لمعرفة التتمة، وهكذا يجب أن ينتظر حتى الغد حتى يعرف خاتمة القصة.. وقصة تلو أخرى فلنتخيل ليل تلك المرأة كان عليها أن تنظمه بحيث تتوقف عن سرد القصص في موضع هو مفتاح الحكاية في موضع يستثير المستمع فلا تحكي قصة طويلة مملة ولا قصيرة لتكملها في الغد، وهكذا ليلة بعد ليلة حتى صارت ألف ليلة وليلة.. وشهريار يستمع وفي الاستماع جوهر التأمل.. وجد في القصص مرآة تعكس حالته الداخلية وأنه بإمكانه أن يجد حلولاً دون أن يلجأ إلى العنف والعدوان.
شهرزاد علمته الصبر ويجب أن ينتظر إلى الغد حتى تكتمل القصة.. حملته على الانتظار وهو الملك الثائر الذي تعوّد على أن يحصل فوراً على ما يريد فهو لم يرتوِ من القصة في ليله هذا ويجب أن ينتظر إلى الغد؟ ولم يرتوِ في حبه فكان عليه أن ينتظر غداً..
إذاً، هنا لعبت شهرزاد بمفهوم الوقت، علمته الصبر.. قصة تلو أخرى في جو هادئ خلق شعوراً بالأمان الداخلي، هذا الجو الذي خلقت به شهرزاد خيوط العلاقة الأولى مع شهريار وهنا بدأت المعالجة.. بدأ يشعر بالأمان تجاهها؛ الأمان الذي ولّد الحب فيما بعد وعن طريق القصص وجد معنى جديداً، الاستماع إلى القصص دفعه إلى التأمل.. ودفعه إلى التقمص عن طريق محاكاة أبطال القصص.
بواسطة الحكاية تعلّم شهريار كيف يسترشد بالعقل، بالمبادئ الخيرة وبدد طاقته النفسية الثائرة وبدأ يتحرر من ذكرياته المؤلمة، هذه القصص أعطته معنى جديداً لحياته.. وحولت الكره في قلبه إلى حب عميق.
كانت شهرزاد أسيرة ليل شهريار فصار الليل عبر أثير صوتها مفتاح حريتها.. صوتها الذي كان ينطق بالقصص؛ أما هي فكانت صامتة وقوتها تكمن في صمتها.
شعر شهريار بالأمان وساد السلام في المملكة.
تحليل هذه القصة
من خلال هذا التحليل يتبيّن لنا أهمية العلاقة مع الإنسان الآخر، فمن خلال هذه العلاقة يتم بناء الإنسان.
وقد حاولنا إلقاء الضوء على خفايا السلوك العدواني لدى الملك شهريار والذي كان ردة فعل للخيانة الزوجية فإذا كانت المرأة الأولى في حياته وحبه الأوحد هي المسؤولة عن حالته هذه ألا نتساءل في أعماق ذاتنا ما الذي دفعها إلى خيانته مع عبد أسود؟ هل كانت تتبادل معه لغة الحب.. هل كان يفهم لغة جسدها؟ قبل أن نحمّل المرأة إثم الخطيئة الأولى هل حاولنا فهمها؟ ومن المسؤول الأول؟
قصة ألف ليلة وليلة إذا أبحرنا في أعماقها تشير في رمزيتها إلى خفايا العلاقة الجنسية بين الزوجين: رجل يتزوج كل يوم من امرأة ويقتلها في الصباح.. فقد حصل منها على ما يريد فهي مجرد أداة لإرضاء حاجته الجنسية وتغيير النساء، كل يوم امرأة جديدة تشير إلى غياب حالة الحب، مجرد شهوة جنسية يسعى لإشباعها، لا يوجد أي تواصل عاطفي في الزواج.. لا توجد حالة حب تتوج بعلاقة عاطفية جنسية، ففي الصباح يقتلها، ألا يكون فعلاً قد قتلها كما قتل شهريار زوجته؟.
ألا تكون المرأة في هذه الحالة قد قُتلت نفسياً؟ فليس أشدّ مرارة على المرأة من أن تشعر بأنها مجرد قطعة لحم شهية يريد الرجل أن يلتهمها..
في القصة استمر الوضع على حاله حتى جاءت شهرزاد التي تمردت وفي تمردها رفضٌ لحالة الخضوع هذه السائدة لدى فتيات عصرها، تمردت فهي إنسان لها كيان وفكر.. تمردت لإثبات وجودها.. إنسانيتها ونجحت لأنها تمردت.
ونفس الحالة هذه يشعر بها الرجل عندما لا يلمس أيّ إحساس من زوجته حيث لا توجد لغة حب بينهما.. فيثور ويغضب ويقتل.. لأنها لم تفهمه، وقد جسّدها شاعر المرأة نزار قباني حينما قال:
لا أحد يفهم ما مأساة شهريار
حين يصير الجنس في حياتنا
نوعاً من الفرار
لن تفهمي أبداً
لن تفهمي أبداً أحزان شهريار
فحين ألف امرأة
ينمن في جواري
أحسّ أن لا أحد
ينام في جواري
قصة ألف ليلة وليلة تدعونا إلى فهمٍ أعمق لماهية الحب وأهميته في حياتنا.