الموضوع: مقتطفات
عرض مشاركة واحدة
 الصورة الرمزية اديب
اديب
مزعوط خبير
المشاركات: 8,352
تاريخ التسجيل: Sep 2010
الدولة: رجعتُ أدراجي أصيدُ من المنى حلماً أنام بأفـقـه متوهما
اديب غير متواجد حالياً  
قديم 2016-07-12, 07:05 AM
 
من راقبَ الناسَ مات هَمًّا .... وفاز باللذَّةِ الجَسُوْرُ


عندما أَمْلَى الشاعرُ الأُمَوِيُّ العملاق بَشَّارُ بن بُرْدٍ البيتَ الآتِيَ ذِكْرُهُ لتلميذه وَرَاوِيَتِهِ ( سَلْمٍ الخاسر ) وسلمٌ هذا قد سُمِّيَ بالخاسر لأنه احتاج مرةً أن يشتري نبيذاً فلم يكن معه مالٌ فباع مُصْحَفَهُ واشترى زِقًّا من النبيذ ؛ فَوُسِمَ بهذه السِّمَة . أَعُوْدُ من الاستطراد لأقول إن بشاراً أملى على راويته هذا البيت (من بحر البسيط التامّ) :

من راقب الناسَ لم يَظْفَرْ بِحَاجَتِهِ *** وفاز بِالطَّيِّبَاتِ الفَاتِكُ اللَّهِجُ

وهو يعني أنَّ مَنْ جعل الناس رُقَبَاءَ عليه ؛ لا يفعل أمراً ولا يُحْجِمُ عن آخَرَ إلا بما يحبّه الناس أو يكرهونه ، فلا رأي له إلا رأي الناس ؛ مَنْ كانت هذه حالُهُ فهو محرومٌ من الطيبات لا يستطيع بُلُوْغَ مآربه ولا نيلَ أَوْطَارِه . أما من كان شجاعاً وذا حجّة بالغة ؛ فهو من يفوز بالطيبات وينال مُرَادَاتِه غيرَ آبِهٍ بالناس وآرائهم التي لا تلتقي أبداً .

وعندما أملى - صاحب المدرسة القديمة - هذا البيت على التلميذ النجيب - من جيل الشباب آنذاك - استثقلَ التلميذُ البيتَ ورأى أنه لا يحمل الشروط التي يجب توافرها في الشعر الذي يسير مع الركبان وتتلقّفه الآذان ويرسخ في الأذهان . فتفتّق العقل الذكيُّ عن حيلتين إحداهما موسيقية (وزن الشعر) والأخرى فنية (تشذيب وتهذيب الألفاظ) ، فقام على الفور باستلهام معنى البيت - بعد تجاوز بعض الألفاظ - "يظفر" ، "الفاتك" ، "اللهج" ثم اختار بحراً خفيفاً ظريفاً لطيفاً مُطْرِباً هو بحر (مُخَلَّعُ البسيط) فجاء بهذا البيت :

من راقبَ الناسَ مات هَمًّا *** وفاز باللذَّةِ الجَسُوْرُ

فلما بلغَ بشاراً ما فعلهُ سَلْمٌ بالبيت ؛ أدرك أن بيتَ سلمٍ سَيَفْشُوْ في الناس كالمثل السائر ، وسيموت بيتهُ إلى يوم يُبعثون ؛ فغاظه ذلك
وقال : ذهبَ واللهِ بيتي !!
ثم مكث أياماً لا يُكَلِّمُ تلميذَه ، حتى شفع له بعضُ الشافعين فرضيَ عنه .
__________________
رد مع اقتباس