رد على المقال:عندما يُطلب منك “سِر عند الجنرال”.بالجريدة الإلكترونية المحرر
إن قراءة هذا المقال توحي للقارئ لأول وهلة بأن صاحبه يسعى – ظاهريًا – إلى الدفاع عن مبادئ الشفافية ودولة القانون، لكنه في الجوهر يُحوّل واقعة مرور بسيطة إلى ما يشبه «قضية رأي عام» عبر تضخيم تفاصيل إجرائية، والتشكيك في مؤسسات الدولة النظامية بأسلوب مبطن. و إنه لمن المؤسف أن يُحوِّل المحرر واقعة ضبط مخالفة سرعة مثبتة بجهاز رادار قانوني، إلى حملة تشكيك مبطّن في جهاز الدرك الملكي، عبر انتقاء تفصيل إجرائي وتضخيمه خارج سياقه.
إن صاحب المقال يتجاهل عن قصد أو عن جهل أن مهام الدرك الملكي تُمارس وفقًا لقوانين واضحة وتعليمات تنظيمية دقيقة، تخضع للمراقبة والتفتيش الدوري. فالحديث عن صورة أُرسلت عبر تطبيق تواصلي لا يُفقد المعاينة مشروعيتها متى ثبتت المخالفة بجهاز الرادار المعتمد قانونًا. فالعبرة في النهاية ليست بأداة التبليغ الداخلية بين عناصر الدرك، بل بثبوت المخالفة تقنيًا وبالوثائق الرسمية المُحررة.
ثم إن الاعتراض و إثارة الشبهات حول ذكر اسم عنصر كان في عين المكان أو كتابة اختصار بجانب اسمه في المحضر و الرتبة محاولة مكشوفة للتشويش وخلق شك مفتعل لا يؤثر في أصل الواقعة فهو تفصيل تنظيمي لا يمسّ جوهر المخالفة ، ما دام المحضر يتضمن البيانات الأساسية والموثقة قانونًا، ويتضمن أكثر من شاهد عيان على الأقل ، كما أن القانون يعتدّ بالمعاينة المثبتة والتوثيق الرسمي، وليس بطريقة توزيع الأدوار بين أفراد الدورية. والجهات الرقابية الداخلية تتكفل بأي خرق محتمل دون الحاجة إلى مقالات تُشوش أكثر مما توضح.
أما الترويج لفكرة المعاينة عبر تطبيق واتساب «مخالفة صريحة للقانون» حسب زعمه، فهو ادعاء عارٍ من السند القانوني، هدفه الإثارة لا غير و خلط فادح بين المعاينة القانونية التي تتم بجهاز الرادار، وبين وسيلة التواصل الداخلية و نقل بيانات المخالفة بين أعضاء نفس الدورية، حيث لا تُلغي ولا تضعف حجية المعاينة التقنية الموثقة بجهاز رسمي معتمد كوسيلة إثبات أصلية. فالقانون لا يشترط أن يرى الدركي المخالفة بأم عينه في اللحظة ذاتها متى ثبتت بجهاز قانوني موثق.
والمثير هو حرص المحرر المفاجئ على «الوضوح والشفافية»، وكأنه يكتشف اليوم أن أجهزة الدولة تخضع بدورها للمراقبة والتفتيش، مع أن واقع الحال يُظهر أن أجهزة الرقابة الداخلية والخارجية قائمة وتقوم بعملها، وأن المحاكم مفتوحة للطعن في أي محضر مشوب بعيب.
و التلويح بعبارة «غدًا سنتوجه للجنرال بموضوع أخطر»، فهذه لغة لا تخدم لا المهنة الصحفية ولا الصالح العام، و لا تليق بخطاب صحفي مهني بل توحي بميلٍ واضح لاستخدام المنبر الصحفي كوسيلة ضغط أو ابتزاز ضمني تحت غطاء «حق التساؤل و النقد» .
فما ورد في المقال ليس نقدًا قانونيًا موضوعيًا، بل أقرب إلى قراءة متسرعة وتجميع ظنون لا ترقى إلى مستوى الدليل.
وعليه أود أن أشير إلى بعض التعقيبات في نص المحرر ومنها :
1 -غياب العمق التحقيقي
رغم أن المقال يثير أسئلة قانونية ، إلا أنه يكتفي بعرض الرواية من زاوية الكاتب فقط، دون محاولة جادة لاستقصاء وجهة نظر الدرك الملكي رسميًا أو الرجوع لنصوص قانونية صريحة تبيّن هل ما حدث فعلاً مخالف للقانون أم يدخل ضمن صلاحيات رجال الدرك. كان من الممكن مثلاً الاستشهاد بمواد قانون المسطرة الجنائية أو القوانين المنظمة للمحاضر الرسمية.
2.الخلط بين الوقائع والانطباعات.
في أكثر من موضع، يمزج الكاتب بين الوقائع الموثّقة والانطباعات الشخصية، مثل قوله: «وقد يكون الأمر كذلك غير أن القانون يستوجب...». هذا الأسلوب قد يُضعف الحجة أمام القارئ المتخصص الذي يبحث عن دلائل قانونية صارمة بدلاً من التخمين.
3- لغة المقال تميل إلى التصعيد غير الضروري
رغم التحفظ الظاهري في العبارات، إلا أن الأسلوب يحمل نبرة اتهامية ضمنية تُشعر القارئ بأن الكاتب حسم أمره مسبقًا بأن ما حدث مخالف للقانون، دون ترك مساحة كافية لفرضية أن تكون هناك ممارسات تنظيمية داخلية تسمح بهذا الإجراء.
4-النهاية كانت أكثر غموضًا من البداية
في الختام، أشار الكاتب إلى موضوع «أخطر بكثير» له صلة بـ«مقدسات الوطن»، دون توضيح طبيعة هذا الموضوع أو علاقته المباشرة بالقضية الأصلية. هذا الانتقال المفاجئ أضعف تماسك المقال وجعل القارئ يخرج بانطباع مشتّت عن الهدف الرئيسي.
5- ضعف في التوثيق
المقال اعتمد في عدة نقاط على أقوال الدركي دون تقديم صورة واضحة للمخالفة المرفقة كصورة الشاشة للرسائل المتبادلة عبر واتساب. تقديم هذه الأدلة كان سيعطي قوة كبيرة للمقال ويجعله أكثر إقناعًا
6-غياب تحليل قانوني تفصيلي.
الكاتب طرح أسئلة (مثل قانونية وضع اسم عنصر غير حاضر، أو الاكتفاء بصورة مرسلة عبر واتساب)، لكنه لم يُقدّم تحليلاً قانونيًا معمّقًا أو اجتهادات قضائية سابقة تدعم وجهة نظره.
ختامًا، نذكّر صاحب المقال وغيره بأن انتقاد عمل مؤسسة كبرى سيادية راسخة وعريقة كالدرك الملكي يجب أن يقوم على أدلة قانونية وتحقيقات مهنية رصينة، لا على الظن والتأويل واستثمار ثغرات شكلية لإثارة الجدل ، وليس عبر مقالات تُخاطب «الجنرال» بنبرة لا تخلو من الاستعراض، وأن أي طعن في محاضرها له قنواته القانونية المعروفة، لا أعمدة الرأي المشحونة بالظن والتأويل. إن احترام المؤسسات لا يعني تبرير الأخطاء إن وُجدت، لكنه أيضًا لا يبرر إطلاقًا توجيه اتهامات عامة ومبطنة تسيء لصورة جهاز يعمل ليل نهار لحفظ أمن المواطنين.
إن احترام رجال الدرك لا يكون بتقويض ثقة المواطنين فيهم، ولا بتسويق شبهات بلا دليل. وأخطاء الأفراد – إن وجدت – تُعالج بالقانون، لا بإنشاء معارك وهمية على صفحات الجرائد.