رسائل (انشر تؤجر).. بين الحماس والتعقل!!
بقلم عبدالرحمن خلف العبود
لقد أسهمت التقنية الحديثة في أجهزة الاتصال في أن تحتل مكانا بارزاً في توجيه الناس، ونشر الآراء والأفكار المتنوعة، وبث الدعاية التسويقية للمنتجات العالمية، فأصبح تأثير رسائل الجوال كبيراً على الفرد والمجتمع، فسهولة التقنية أدت إلى الوصول إلى أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع دون استئذان، فهي لا تطرق بابا بل تدخله مباشرة، وليس بالضرورة أن تكون هناك علاقة بين المرسل والمستقبل، فكثير من الأحيان تصلك رسائل لا تعرف مصدرها.
لاسيما الرسائل التي تحمل في مضامينها إما حماساً في نشر الخير، أو الدعاية لمنتج معين، وقبل أن أناقش معك أخي القارئ هذا الموضوع، لابد أن نصل إلى قناعة معينة وهي أن الحماس وحده والإخلاص لا يكفيان أن يكونا دليلاً على صحة العمل أو القول، سواء كان القول مسموعا أو مكتوباً كما هي في رسائل (انشر تؤجر)، فالإخلاص شرط للعمل كما أن موافقته للشريعة شرط أساس، وكثير من تلك الرسائل لا تتقيد بتلك الشروط.
لقد دأب بعض الشباب المتحمسين للخير على كتابة تلك العبارة، أو عبارة لا تتردد انشر بسرعة، دون التثبت من مضمون الرسالة وهل هي حقيقة أم باطلة، والأمر يزداد صعوبة عندما يتعلق بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونشر الأحاديث الباطلة والمكذوبة وكأننا نروج للبدع وننشر الخرفات من حيث لا نشعر، وقد وصلتني رسالة تتضمن حديثاً مكذوباً لايصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وكتب في آخر الرسالة (انشر تؤجر)، فقمت بالاتصال على المرسل ولا أعرفه، وبينت له أن الحديث لا يصح بل هو من الأحاديث المكذوبة، فأخذ يجادل في صحة الرسالة لكونه يثق فيمن أرسلها، وبعد حوار طويل وإرشاده إلى مصادر تلك الأحاديث المكذوبة وتحذيره من نشرها وتذكيره بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) قال ماذا أفعل؟ لقد أرسلت تلك الرسالة إلى أكثر من عشرة أشخاص غيرك، فقلت لعلك تستدرك برسالة أخرى لتوضح خطأك فالاعتراف بالخطأ خير من التمادي فيه لا سيما مع سنة المصطفى صلى الله عليهم وسلم، ورحم الله علماء الحديث حفظوا لنا السنة النبوية، فألقوا الكتب الكثيرة في نقد الرجال وكانوا لا يأخذون الحديث عمن عرف عنه التساهل أو النسيان، فضلاً عن الرواية عن المجهول الذي لا يعرف، وكثير من تلك الرسائل مجهولة المصدر ويصدق عليها، الغرابة في المتن والجهالة في السند، وهذا وحده كاف لردها والتثبت منها قبل نشرها.
إن من سمات بعض رسائل (انشر تؤجر) أنها تخاطب العاطفة وتنحي العقل جانبا فعندما تصلك رسالة تجدها مذيلة ب (لاتتردد.. بسرعة أنتشر أو لاتبخل على دينك بضغطة زر ونحوها من العبارات الحماسية، فهي تسوقك إلى خيار واحد فقط وهو النشر، دون تأمل أو منح العقل فرصة التريث والتثبت من مضمونها وهل يناسب نشرها أو مسحها من البريد الوارد؟
لقد أشار الأستاذ الفاضل فهد بن عبدالعزيز السنيدي المذيع في إذاعة القرآن الكريم فيما كتبه عن خطورة تلك الرسائل في مجلة الدعوة عدد 2043(أن هناك رسالة سارت بها الركبان ومضمونها اتصل بالرقم.. في كندا وصوت لصالح نبيك ولا تبخل على نبيك بدقيقة من وقتك، انشر تؤجر وبعد التثبت من الرقم اتضح أن إحدى الشركات في كندا اتفقت مع شركة الاتصالات الكندية تخصيص الرقم ونشره بين المسلمين، من أجل كسب أموال طائلة قدرت بأربعين مليون دورلار في شهر واحد، فقد استغلت تلك الشركة عاطفة المسلمين تجاه نبيهم واستطاعت كسب تلك الأموال بسبب الاندفاع والحماس غير المنضبط. أ ه).
إن من أخطر الأمور التي تفتك في الأفراد والمجتمعات الإشاعة، أو قذف الأشخاص واتهامهم دون بنية، والأمر يزداد سوءا عندما تكون الإشاعة لتحقيق مصالح أخرى لأفراد أو مؤسسات تجارية في تنافس غير شريف، ويستغل فيه الدين والبسطاء من صغار الشباب لترويج تلك الإشاعة عبر رسائل الجوال في المواسم الدينية، وليس الأمر بعيداً عنا عندما تناقل الناس عبر الرسائل (التحذير من إحدى المؤسسات الغذائية الوطنية لدعمها برنامجاً هابطاً في شهر رمضان، وقد ذيلت الرسالة بعبارة انشر تؤجر لإعطائها الصبغة الدينية) علما أن تلك المؤسسة لم تدعم البرنامج مطلقاً، ولها جهود كبيرة في دعم المشاريع الخيرية وقد زكاها علماء كبار، وبينوا خطورة الإشاعة واتهام الناس بالباطل.
ثمة سؤال يرد على الذهن، في ظل تلك المتغيرات والتقنية الحديثة في أجهزة الاتصالات ألا تدعون إلى استثمارها في نشر الخير بين الناس؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل يحتم علينا أن نؤكد على أن نشر الخير أمر مطلوب يتفق عليه جميع العقلاء، فالدال على الخير كفاعله، ولكن بالضوابط الشرعية والآداب المرعية، فالتثبت منهج قرآني عظيم يحافظ على الفرد والمجتمع من الانسياق وراء بريق الكلام والعاطفة المتأججة، ولقد خطت بعض المؤسسات الدعوية وأيضاً التربوية والاجتماعية خطوات في بث الرسائل المتميزة وتقديم نماذج منتقاة موثوقة المصدر صالحة للنشر، فالتقنية الحديثة عندما نستخدمها الاستخدام الأمثل نصل إلى المقصود بإذن الله تعالى..
__________________
Be your Self No Matter what they Say