علمتني المغرب ألا أحب بجنون " أحبب ماشئت فإنك مفارق " فكم أحببت هذا البلد وأهله وحاولت مواراة حبي إلا أنني أبوح به في آخر نصف ساعة فليس ثمة من يلاحقني ليصادر حبي الذي سأطير به فوق سمائها

علمتني المغرب أن يكون لي في أعماق نفسي سراديب ضيقة ُأوصدت أبوابها بأكواد سرية لايعلمها أحد سواي ، فالثقة مهما بلغت إلا أنها لاتلغي الحيطة ، فعذرا صديقي !

علمتني المغرب أن أتريث قبل الحكم على الأشياء ،فمن ظاهره التقى ليس بالضرورة أن يكون من أهله ! ومن ظاهره السوء قد يخفي وراءه خشية لله ينافس بها الطهرة َ الأبرار!

علمتني المغرب أن الحياة لاتخلو من المنغصات والشجارات ، وأن السعادة الدائمة لاتجدها في دنياك ! فدع عنك تلك الشعارات ! وحاول أن تتجنب الخلاف ما استطعت لتنعم براحة البال

علمتني المغرب أن أكون مبادراً بالاعتذار وأن عزة النفس لاتتنافى مع الاعتراف بالاقتراف ! وألا أنتظر من أحدهم اعتذارا وإن كان مخطئاً ! فإن منعته عزة نفسه من الإقرار فلن يمنعني سمو نفسي من المبادرة بالاعتذار !

علمتني المغرب ألا أفرح لمصيبة إنسان وألا أظهر له شماتة أبدا وإن كان عدواً ! فكثيرا ما أكون أنا التالي !

علمتني المغرب ألا أنتظر من أحدهم أن يمد يده إلي .. وإن فعل كان جديرا بأن أقبلها !

علمتني المغرب أن الجامعة لم تعد منارة ً للعلم بقدر ماهي مجمّع كبير لممارسة كل شيء كالخطابة وملاحقة الحسناوات وتكوين الصداقات ....وكل شيء إلا العلم ! فليس ثمة مايميزها من النوادي الليلية والأدبية إلا أنها تحمل تصريحيا فخرياً من وزارة التعليم العالي !

علمتني المغرب أنّ قيمتي مستوحاة من ذاتي لا من مرآتي !!

علمتني المغرب أنك مهما بلغت من مرتبة بين الناس فتأكد أن الناس هم مـَن منحك تلك المرتبة ، فالسيد سيدٌ بقومه،فاخفض جناحك للجميع ، فمتى تكبرت تركوك وحيداً وهجروك لتختال على نفسك !

علمتني المغرب ألا أتدخل فيما لايعنيني حتى وإن زيـّنتُ تطفلي بزينة الإصلاح وحب الخير

علمتني المغرب أن الصبر حلية الرجال ، وألا أتذمـّر صباح مساء لكل من حولي ، فإن كثرة الشكوى تشعر مـَن حولي بضعفي ، ومتى شعر الناس بضعفي كرهوا طبعي ولقائي وسلكوا طريقاً غير طريقي كلما لحتُ لهم في الأفق !

علمتني المغرب ألا أكذب مهما حصل ، ففي كل مرة هممت أو شرعت في الكذب اتضح أمري وانهتك ستري فحبل الكذب كما يقولون ،قصير !

علمتني المغرب أن الشخص طويل اللسان يتحاشاه الناس ويتجنبونه دوما ،ً وإن كان يرى أن في وقاحته خفة ظل وروح دعابة إلا أن الناس تبحث عمن يحفظ لها قدسيتها وهيبتها وتنأى عن كل مـَن قد يطولها بلسانه !

علمتني المغرب ألا أغضب طالما يسعني ذلك ، فالغضب كثيراً ما أعماني فسلب مني القدرة على إمساك لساني فقذفت صديقي وجرحت خليلي وأظهرت له عيوبي ثم ندمت ! ولات حين مندم ! فالكلمة أنا سيدها مالم أنطق بها ولكن إن خرجت لم أعد أملكها ! بل غدت هي سيدتي !

علمتني المغرب أن البوابة رقم 3 في صالة المغادرة المتجهة بعيدا عن المغرب قد انفتحت وبدأ النداء على رحلة رقم 612 !! فليسامحني أهل المغرب فلم أستطع أن أمنحهم شيئاً يذكرونني به قبل رحيلي غير أن اتكالي على رقة طبعهم وطيب خلقهم هو ما جرّأني على تركهم ................